الغارمات: قضية أمن اجتماعي ومثال على بناء الأجندات الإعلامية المتناقضة

الغارمات: قضية أمن اجتماعي ومثال على بناء الأجندات الإعلامية المتناقضة

  • 2017-07-13
  • 12

أكيد – حسام العسال

استحوذت قضية الغارمات وشكاوى العملاء والعميلات نحو شركات التمويل الأصغر على اهتمام وسائل الإعلام التي كانت ساحة للجدل حول تلك القضية والذي تصدره "صندوق المرأة" الذي نال القسط الأوفر من الاتهامات والنقد والشكاوى والحالات المتعلقة بقطاع "التمويل الأصغر"، وسط نفي متكرر من قبل إدارة الصندوق للعديد من تلك الاتهامات.

معظم الشكاوى المتداولة إعلاميا لم تُسندها وسائل الإعلام إلى دليل يُثبت صحة تلك الشكاوى، وسط تناول عاطفي إلى حدٍ ما لها، ولم تتطرق وسائل الإعلام للعديد من الحيثيات المرتبطة بشركات التمويل الأصغر، الأمر الذي الحق الضرر بحق الجمهور بالمعرفة.

وبالمقابل ركزت وسائل إعلام أخرى على الترويج لقصص النجاح لعملاء تلك الشركات، ومبادراتها المجتمعية، وسط تجاهل وتهميش للشكاوى المتصاعدة مؤخراً، ما خلق أجندات إعلامية متناقضة في التعاطي مع القضية، وبالتالي بقيت أسئلة الجمهور مفتوحة دون أن تٌقدم وسائل الإعلام إجابات حولها في العديد من القضايا الجوهرية والفرعية المرتبطة بـ "التمويل الأصغر".

 

 

 

هل يوجد مسجونات من الغارمات المتعثرات في تسديد القروض الصغيرة

كان الاتهام الأبرز الذي تم تداوله هو وجود مسجونات في مراكز الإصلاح والتأهيل بسبب تعثرهن في تسديد القروض لصناديق التمويل الأصغر وتحديداً صندوق المرأة.

العديد من وسائل الإعلام كررت ذات الاتهام، مع تداول رقم لعدد المسجونات بشكاوى من "صندوق المرأة" والذي تردد أنه 78 مسجونة في سجني الجويدة وأم اللولو.

وحصل مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) على وثيقة صادرة من مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل إلى "صندوق المرأة" بتاريخ 18 أيار الماضي تفيد بأنه "لا وجود لنزيلات محكومات قيد مراكز الإصلاح والتأهيل على قضايا مشتكى بها من قبل صندوق المرأة"، وذلك كرد على كتاب صادر من الأمن العام بتاريخ 14 أيار الماضي.

من جهته أكد حمزة الحسامي أحد نشطاء مبادرة "نساء في السجون" وجود سيدات مقترضات من صندوق المرأة تم إيداعهن في مراكز الإصلاح والتأهيل في بداية الحملة التي انطلقت في بداية أيار الماضي، ونجحت الحملة في إخراج عدة سيدات.

في المقابل توجد حالات توقيف لسيدات في المراكز الأمنية قبل أن يتم تكفيلهن وإطلاق سراحهن، وهو الموقف ذاته الذي واجه إيمان عبد النبي التي تم عرض حالتها وأوقفت في مركز أمن الحصن بمدينة اربد.

وهو ما واجه إيمان عبد النبي التي لم تتوقع أن القرض الذي حصلت عليه من "صندوق المرأة" سيجعلها يوماً رهن التوقيف وهي ترقب دموع ابنتها ذات السنوات التسع، وذلك بعد أن تعثرت في سداده واضطرت للحصول على قرض آخر من "الأهلية لتنمية وتمويل المشاريع الصغيرة".

 تَعرُض زوج إيمان للمرض ودخوله في غيبوبة ومسؤوليتها عن إعالة ابنتها، تسبب في تعثرها بتسديد القيمة المتبقية من القرضين، فتم إيقافها من قبل رجال الأمن بسبب ورود اسمها لدى إدارة التنفيذ القضائي بعد شكوى "صندوق المرأة" على إيمان لعدم تسديدها مبلغ 280 ديناراً (القيمة المتبقية من القرض).

ولم تشفع توسلات ابنة إيمان ودموعها في عدم إلقاء القبض على أمها، فأودعت الأم في مركبة الأمن العام، وأُوقفت في مركز أمن الحصن بمحافظة إربد لمدة ساعتين ونصف الساعة، ولم يتم قبول تكفيلها في البداية، الى أن أُطلق سراحها بعد أن تكفلها زوج أختها.

 

 

 

 

 

كما أُوقفت أماني صرار في مركز أمن الأشرفية بمدينة عمان في شهر أيار الماضي بعد تحويلها للقضاء إثر شكوى من "صندوق المرأة" بعد تعثرها في دفع 500 دينار مقسمة على عدة أقساط، وقالت أماني لـ (أكيد) أنه "تم تكفيلي وخرجت في اليوم نفسه".

وتضيف بأنها حاولت التواصل مع الصندوق لإعادة جدولة المبلغ المطلوب منها والمضاف إليه غرامات التأخير وأتعاب المحامي، إلا أن الصندوق رفض وطلب دفع المبلغ كاملاً.

وهنا توصل (أكيد) إلى عدم وجود سجينات في مراكز الإصلاح والتأهيل على قضايا مشتكى بها من قبل صندوق المرأة خلال شهر أيار الماضي بناءً على الوثيقة الصادرة من مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بتاريخ 18 أيار الماضي، إلا أن الكثير من الوقائع والمؤشرات تدل على وجود طلبات قضائية لم يتم تنفيذها، إضافةً لوجود حالات توقيف في المراكز الأمنية يتبعها إفراج بكفالة.

 

 

 

ويستنتج (أكيد) أنه لا يوجد توجه واضح لتنفيذ الطلبات القضائية وذلك لحساسية الأمر اجتماعياً، إلى جانب ارتفاع كُلف الإيداع في مراكز الإصلاح والتأهيل مقابل طبيعة القضية وحجم المطالبات المالية.

يُذكر أنه تم التقدم إلى وزارة العدل بطلب الحصول على المعلومات المستند إلى قانون ضمان حق الحصول على المعلومات بتاريخ 24/4/2017 (برقم وارد 7506) والذي تضمن أسئلة إلى الوزارة حول عدد السيدات المسجونات

بسبب قضايا أو شكاوى من قبل صندوق المرأة، وعدد الملاحقات قضائياً لذات السبب.

وأبلغت وزارة العدل "أكيد" بتاريخ 30/5/2017 باتصال هاتفي رفض الطلب لعدم إرفاق كتاب من المؤسسة التي يعمل بها معد التحقيق وسبب طلب هذه المعلومات، برغم أن المادة 7 من القانون تنص على أنه "مع مراعاة أحكام التشريعات النافذة، لكل أردني الحق في الحصول على المعلومات التي يطلبها وفقا لإحكام هذا القانون إذا كانت له مصلحة مشروعة أو سبب مشروع"، كما لا يوجد أي نص بالقانون يشترط إحضار كتاب من جهة العمل وإرفاقها مع طلب الحصول على المعلومات، علماً بأنه تم ابلاغهم بان سبب الطلب هو الغايات الصحافية.

 

 

هل يتم تهديد وترهيب الغارمات لإجبارهن على التسديد؟

التهديد والترهيب عند مطالبة الغارمة بالقرض، من الشكاوى التي تم التطرق إليها بغرض الضغط على السيدة المقترضة للدفع لتتجنب الفضيحة والتشهير بها.

سريا مصلح التي تسكن مدينة عمان ذكرت لـ (أكيد) أنها تعرضت للتهديد والترهيب من "صندوق المرأة" بعد تعثرها في سداد القرض، إذ كانت تتلقى اتصالات من موظفين بالشركة بعد منتصف الليل، ويتم تهديدها بالسجن بعد تعثرها في سداد ما يقرب من 600 دينار من أصل قرض بلغ 1000 دينار، لتتم مطالبتها بعد ذلك بمبلغ يُقارب 1160 ديناراً بعد إضافة أتعاب المحامي وغرامات تأخير ورسوم.

وتروي سريا تلقيها اتصالاً من موظفة بالصندوق تُدعى أم يوسف تطلب منها تزويدها بتقرير من عملها يُفيد بأنها تعمل لديهم بحجة أن ذلك سيُساعد في جدولة المبلغ المتبقي عليها، لتتفاجأ  سريا بعد عدة أيام بتواجد موظفة الصندوق في مكان عملها الذي تعمل به كمراسلة، مطالبةً إياها بتسديد المبلغ على مسمع من إدارة الشركة وموظفيها بغرض الضغط عليها والتشهير بها، الأمر الذي تسبب بطرد السيدة سريا من عملها، حسب ما ذكرت.

ووجد لؤي أبو عصبة أحد النشطاء في مساعدة النساء الغارمات على التسديد أن من أبرز المشاكل التي تواجهها السيدة عند تعثرها في التسديد هي الترهيب والتهديد عند مطالبة الشركة الممولة للسيدة بالتسديد، والتشهير بها في البيت، أمام الجيران، وفي العمل.

أما منى سختيان مدير عام صندوق المرأة وصفت الصندوق بـ "الشركة الكبيرة"، إذ تضم 700 موظف، ويتضمن عملهم العديد من الإجراءات الإدارية، وفي حال صدور ممارسات خاطئة نحو عميلات الصندوق يتم توقيف الموظف عن عمله.

وتضيف سختيان أن الصندوق يلجأ للقضاء كأي شركة أخرى بعد تعثر التسديد واستنزاف جميع الطرق، فبعد 90 يوماً من التوقف عن التسديد يتم تحويل الحالة للدائرة المسؤولة عن المتابعة، فيتم التنسيق والمتابعة مع العميلة لمدة ثلاثة أشهر للبحث عن طريقة للتسديد أو التسوية.

ويُعد "صندوق المرأة" شركة غير ربحية (ملكيته تعود لغياث سختيان بنسبة 60 % وجمعية انقاذ الطفل بنسبة 40 %) وواحداً من ثماني شركات تمويل أصغر (مايكروي) منضوين تحت شبكة مؤسسات التمويل الأصغر في الأردن (تنمية) والذي يضم "دائرة الإقراض الصغير في الأونروا، وصندوق المرأة، وشركة التمويل الأردنية "تمويلكم"، والبنك الوطني لتمويل المشاريع الصغيرة "الوطني"، و الشركة الأهلية لتنمية وتمويل المشاريع الصغيرة، و فينكا الأردن، وإثمار للتمويل الإسلامي ، و فيتاس الاردن".

 

 

ولاحظ (أكيد) لجوء بعض السيدات للاقتراض من شركات التمويل الأصغر بضغط من أزواجهن أو أفراد العائلة، إذ ذكرت السيدة (ن.ح) لـ (أكيد)، أن زوجها ضغط عليها للحصول على قروض، فحصلت على عدة قروض وتم تسديدها، ولكن بعد انفصالها عن زوجها لم تتمكن من تسديد القرض الأخير بسبب رفض زوجها الاعتراف بمسؤوليته عن تسديد القرض مما جعلها مطلوبة للتنفيذ القضائي بسبب شكوى الشركة المتخصصة للقروض الصغيرة عليها.

 

 

فوائد وغرامات مرتفعة تقدمها شركات "غير ربحية"

تتساءل إيمان عبد النبي المقترضة من صندوق المرأة والمطلوبة قضائيا حول قيمة المبلغ الذي يُطالب به الصندوق، إذ أنها سددت بعد توقيفها والإفراج عنها بكفالة مبلغ 868.70 ديناراً تشمل الغرامات وأتعاب المحامي ورسوم أخرى، بينما المبلغ الكلي الذي كان متبقٍ عليها يُقارب 280 ديناراً أردنياً فقط.

واطلع مرصد (أكيد) على حالة إقراض لإحدى السيدات التي حصلت على 1000 دينار مقسمة على 17 شهراً، بحيث يكون مجموع الأقساط التي سددتها السيدة هي 1306 دنانير، وأكدت السيدة سهولة حصولها على القرض بفترة لا تتعدى ثلاثة أيام.

ومما يلفت النظر أن الشركات المسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة على أنها غير ربحية تُقدم قروضاً بفوائد مرتفعة بالمقارنة مع البنوك والشركات الربحية، رغم أن الهدف المعلن هو التمكين الاجتماعي والاقتصادي للفئات المستهدفة.

وهو ما لمسه حمزة الحسامي من حملة "نساء في السجون" إذ يرى أن فوائد وغرامات تلك القروض مرتفعة إضافةً لأسلوب تعامل متعالٍ تحديداً من صندوق المرأة.

 ويعلن تحالف تنمية (الممثل لشركات التمويل الأصغر) أنه يهدف إلى طرح نفسه كـ "أداة فعالـة تسـتطيع دعـم وتطويـر المجتمعـات ومسـاعدة الحكومـة علـى مواجهـة تحديـات الفقـر والبطالـة بشـكل أفضـل".

فيما يرى صندوق المرأة نفسه بأنه يقدم خدمات مالية وغير مالية مستدامة "لتحسين المستوى المعيشي لصاحبات المشاريع الصغيرة من ذوي الدخل المحدود ولأسرهن وتمكين المرأة إقتصادياً وإجتماعياً"، إضافةً لتطلعه إلى "مجتمع أكثر عدلاً ومساواةً تتمكن فيه النساء من كسر دائرة الفقر وتحقيق الإزدهار والرفاه لحياة متكاملة".

وترد سختيان على الشكاوى المتعلقة بارتفاع غرامات التأخير عن السيدات بأن الغرامة أداة وطريقة لحث السيدات على السداد في الوقت المطلوب، ولكن أغلب الأحيان يتم اللجوء للتسوية، مبينة وجود فئة كبيرة تلتزم بالسداد، إضافة لوجود العديد من قصص النجاح التي يعتز بها الصندوق.

مرصد (أكيد) تواصل مع الاستشاري المالي والإداري محمد كيالي الذي رأى بأنه "لا يوجد نظام قانوني يضبط نظام الفوائد"، ويعود سبب ارتفاع الفوائد إلى أن نظام التمويل الأصغر هو تمويل ذو خطورة على الشركة الممولة، إضافةً إلى ارتفاع المصاريف التشغيلية لهذه الشركات وتعدد الموظفين، ووجود عدد كبير من المحصلين المتابعين لعملية تحصيل الاقساط المترتبة.

وأضاف أنه من الممكن تخفيض الفوائد العالية وتجنب غرامات التأخير المرتفعة بضبط شروط الإقراض منذ البداية، فعند إعطاء القرض من قبل الشركات الممولة دون متابعة حالة المقترض وقدرته على السداد فإنه يتم توريط العميل بفوائد وغرامات.

ويعتبر كيالي أن الخطأ هنا يعود بالأساس على الشركات الممولة، الأمر الذي يُنافي هدف هذه الشركات بتمكين المقترض، فإذا لم يتم توفير القرض بشكل سليم منذ البداية، فالأفضل ألا يتم الإقراض والآثار ستكون مدمرة، ويُصبح الأمر "تخريب بيوت" وليس تمكين اجتماعي.

ويرى كيالي أن تحقيق هدفي التنمية والتمكين من الممكن أن يتحققا بطرق أخرى مغايرة عن القروض المالية، مثل أن يتم تقديم دورات في مجال الأعمال لتوجيه العملاء لكيفية إدارة الأعمال والمشاريع الصغيرة، وبتوفير الأجهزة والمعدات اللازمة للمشروع.

ولا يعتقد كيالي أن هناك اختلافاً لشركات التمويل الأصغر عن البنوك في العديد من الحالات، أي أنها "بنوك بشكل غير مباشر"، وأن هناك عمليات توريط للعملاء لكون عملية توفير القروض من البداية خاطئة، ومن الممكن أن يعود الأمر أحياناً لسلوكيات فردية للموظفين وليس أمراً ممنهجاً من قبل تلك الصناديق والشركات.

وتقول منى سختيان مدير عام صندوق المرأة حول شروط الإقراض أن "الفئة التي نعمل معها تُعاني بغالبيتها من ظروف صعبة"، لذلك لدينا ضباط ميدان يتأكدوا من قدرة السيدة على تسديد القروض ويقيموا ذلك، وبعد التقييم تبدأ السيدة بالتسديد مع المصاريف الإدارية.

ولا يُحدد نظام شركات التمويل الأصغر حداً أعلى أو أدنى للفوائد التي تتقاضاها تلك الشركات من العملاء عند تقديم القروض إلا إذا أصدر البنك المركزي تعليمات بهذا الصدد، وذلك وفقاً للمادة 19 من النظام.

وذكرت تهامة النابلسي الناطق الإعلامي لصندوق المرأة لـ (أكيد) أن ان معدل نسبة  الفائدة أو ما يسميه الصندوق بـ (المصاريف الإدارية) على التمويلات الممنوحة هي حوالي 15% سنوياً.

وبرر المدير التنفيذي لشبكة مؤسسات التمويل الأصغر (تنمية) سليم النمري، ارتفاع نسبة الفائدة أو المصاريف الإدارية بأن أغلب القروض هي قروض صغيرة وعند قسمة قيمة الفائدة عليها تظهر بأنها مرتفعة، في حين أن قروض البنوك تكون مرتفعة وبالتالي فإن نسبة الفائدة تظهر بأنها صغيرة.

وأضاف النمري أن نسب المصاريف الإدارية تكون قيمتها بهذا الشكل نظراً للمخاطرة العالية للقروض والمصاريف المرتبطة بالقرض مثل مصاريف ضابط الإقراض الذي يقوم بمصاريف ميدانية لطالبي القروض بمختلف المحافظات والقرى ومصاريف الاتصالات.

وقارن بين البنوك التي تعتمد على تقنية (Branch Technology)  أي أن العميل هو من يقوم بمراجعة فروع البنوك بينما شركات في التمويل الأصغر فان ضابط الإقراض هو من يقوم بالجولات والزيارات، كما أن البنوك تستفيد من الودائع الموجودة لديها، في حين أن "التمويل الأصغر" يعتمد على الاقتراض من البنوك والصناديق بنسب فائدة معينة ثم الإقراض للعملاء.

ولفت النمري إلى تقديم شركات التمويل الأصغر خدمات غير مالية مثل التدريب على كيفية إدارة المشروع والتسعير وتسويق المنتجات والتشبيك بدون تكلفة للعملاء.

وأشار النمري لوجود 182 فرعاً للشركات المنضوية تحت لواء "تنمية" بمحفظة تحوي 221 مليون دينار وتخدم حوالي 396 ألف عميل، وأنه نتج عن تقييم الوكالة الألمانية للإنماء لهذه الشركات وجود نسبة 30 % كمشاريع دائمة من إجمالي المشاريع، وأنها ساهمت في صعود العديد من العملاء من "طبقة الفقر إلى الطبقة المتوسطة".

يُذكر أنه لا يُشترط لشركات التمويل الأصغر أن يتم تسجيلها كشركات غير ربحية، وإنما يشترط نظام شركات التمويل الاصغر أن تكون مسجلة كشركة ذات مسؤولية محدودة أو مساهمة خاصة او فرعا لشركة أجنبية، وذكر الاستشاري المالي والإداري محمد كيالي أن مالك الشركة له الحرية في تسجيل الشركة كشركة ربحية.

 

 

ما هو الوضع القانوني لشركات "التمويل الأصغر"؟

وفقاً للمادة 7 من قانون الشركات فإنه يجوز تسجيل شركات لا تهدف الى تحقيق الربح وفق أي من الأنواع المنصوص عليها في هذا القانون في سجل خاص يسمى (سجل الشركات التي لا تهدف الى تحقيق الربح).

وعرف نظام الشركات غير الربحية الشركات غير الربحية بأنها الشركات التي لا تهدف لربح وإن حققت أي عوائد صافية فتعد وفراً لها ولا يجوز توزيعها الى أي من الشركاء أو  المساهمين فيها ولا يجوز استخدامها الا لتحقيق غاياتها، وتكون غايات الشركة في القطاعات الصحية والتعليمية وتمويل المشاريع الصغيرة والتدريب الذي يهدف الى تنمية المجتمع أو أي غاية ترتبط بالقطاعات المذكورة يوافق عليها المراقب.

وصدر في عام 2015 نظام شركات التمويل الأصغر الذي يسمح للبنك المركزي توسيع رقابته وإشرافه ليشمل قطاع التمويل الأصغر وإخضاع شركات التمويل الأصغر للترخيص من البنك المركزي، إضافةً لتأسيس دائرة الرقابة على شركات التمويل الأصغر وشركات المعلومات الائتمانية ليكون من ضمن مهامها الرقابة على أعمال شركات التمويل الأصغر وتقييم أعمالها.

واستناداً لنظام شركات التمويل الأصغر أصدر البنك المركزي تعليمات الترخيص والتواجد لشركات التمويل الأصغر والتي تشمل عدة محاور منها معايير التمويل الأصغر، و متطلبات الترخيص، وتوفيق الأوضاع.

وأعلن نائب محافظ البنك المركزي ماهر الشيخ حسن في تصريحات صحفية أن "المركزي" مدد مهلة تصويب أوضاع شركات التمويل الأصغر حتى نهاية العام الحالي بعد تأخر بعض الشركات بتعديل إجراءات الترخيص التي تتوافق مع معايير "المركزي"، وذكرت منى سختيان المدير العام لـ "صندوق المرأة" أن الصندوق سيتبع لرقابة "المركزي" بدءاً من العام المقبل.

وحاول (أكيد) التواصل مع البنك المركزي لسؤاله عن الشركات التي لم تُصوب أوضاعها، ورقابتها على معايير الإقراض إلا أنهم حصروا التصريح بنائب محافظ البنك المركزي ماهر الشيخ حسن والذي لم يُجب مكتبه على أسئلتنا قائلين "عند توفر الإجابات سنجيبكم".

المدير التنفيذي لشبكة مؤسسات التمويل الأصغر (تنمية) سليم النمري أوضح لـ (أكيد) أن من بين الشركات المنضوية ضمن الشبكة من صوبت أوضاعها، وأخرى قدمت طلبها للبنك المركزي وتعمل على استيفاء الشروط المطلوبة، وأن "دائرة الإقراض الصغير في الأونروا حصلت على موافقة من "المركزي" لممارسة أعمالها إذ أنها تعمل ضمن نظام وكالة "الأونروا"، والبنك الوطني لتمويل المشاريع الصغيرة "الوطني" الذي يعمل وفق قانون خاص.

واعتبر نظام شركات التمويل الاصغر أن التمويل الأصغر عملية تُوفر خدمات التمويل للأفراد من ذوي الدخل المتدني الذين لا يُمكنهم من الحصول على الخدمات المالية من القطاع المصرفي كلياً أو جزئياً، ويمكن للشركات الصغيرة أو متناهية الصغر الحصول على هذا التمويل وفق معايير معينة.

 

 

مبادرات مساعدة الغارمات وتعاون صندوق المرأة معها

حالة التعاطف الشعبي مع الغارمات اجتماعياً والاهتمام الإعلامي بهن ساهما في ظهور بعض المبادرات الفردية للتسديد عن الغارمات المسجونات والصادر بحقهن أحكاماً قضائية والملاحقات قضائياً.

فقرر صندوق الزكاة الذي يرأس مجلس إدارته وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية تخصيص نصف مليون دينار (سهم الغارمين) بهدف تفريج كرب الاسر المتعففة والغارمين مع إعطاء الأولوية للتسديد عن النساء.

وأعلن الصندوق في منتصف الشهر الماضي عن الموافقة على تسديد الدفعة الأولى للمستفيدين من مشروع سهم الغارمين والتي تشمل النساء الموقوفات أو المطلوبات للتنفيذ القضائي على ذمم مالية، كما تم الإعلان عن الدفعة الثانية والتي تتضمن زهاء 85 موقوفة في السجون ومطلوبة للقضاء على ذمم مالية، بقيمة إجمالية بلغت 56 ألف دينار.

وهناك مبادرة "نساء في السجون"، وهي مبادرة شبابية تُقرب بين المتبرع والغارمة، ومن ثم تنتقل إلى محامي الشركة الممولة لتسديد القيمة المتعثر سدادها، وذكر حمزة الحسامي أحد نشطاء المبادرة أن أغلب الحالات متعلقة بصندوق المرأة وشركة "تمويلكم" و"فينكا".

واشتكى الحسامي لـ (أكيد) من عدم وجود أي تعاون من قبل "صندوق المرأة" بخصوص توضيح قيمة المبلغ المترتب على الغارمة أو عنوانها، ويضيف "أن محامية الصندوق تطلب إحضار المتبرع والغارمة للصندوق رغم أن المتبرع أحياناً يكون متواجداً خارج الأردن".

ولم تنفِ سختيان الاتهامات بعدم تعاون الصندوق مع المبادرات الخاصة بالتسديد عن الغارمات، فذكرت أن هناك العديد من الأشخاص قرروا جمع الأموال والزكاة للسداد عن السيدات، لكننا لا نعرف من هم ولا نعرف مصدر دخلهم.

وأضافت أن صندوق المرأة شركة لها سمعتها ولا تستطيع التعامل مع هؤلاء الأشخاص، وإنما التعامل يكون مع عميلات الصندوق، وأنه من المستحيل تزويد أي جهة بقوائم عميلات الصندوق، داعيةً من أراد التسديد أن يتواصل مع السيدات المتعثرات بالدفع مباشرةً.

وفي ما يخص التعاون مع صندوق الزكاة تؤكد سختيان أن صندوق المرأة لن يتعاون مع صندوق الزكاة، ولا ترى ضرورةً لذلك، معللةً الأمر بأن صندوق الزكاة يُغير من "ثقافة السداد" التي عمل على بنائها صندوق المرأة في المجتمع على مدى 20 سنة، ويبني في المقابل "ثقافة اتكالية".

وتأمل سختيان أن يتم العمل مع صندوق الزكاة على بناء ثقافة بناءة لمستقبل مشرق، تُساعد في زيادة كفاءات أفراد المجتمع وتطوير المشاريع، وإن أراد صندوق الزكاة أن يُساعد فعليه أن يدفع للسيدات بشكل مباشر.

وأوضح مدير صندوق الزكاة عبد سميرات لـ (أكيد) أن تعامل الصندوق فقط يكون مع الغارمين وليس مع الشركات الممولة لهم، وأن الصندوق تواصل مع مديرية الأمن العام ووزارة العدل للحصول على أسماء الغارمات والمطلوبات للتنفيذ القضائي.

 

 

مطالبة قضائية بحق سيدة من عجلون بسبب 60 دينارا 

أوضحت بيانات الدفعة الأولى الصادرة عن صندوق الزكاة أن اقل مبلغ مترتب على غارمة يعود لسيدة من محافظة عجلون بقيمة 60 ديناراً فقط، وآخر بقيمة 91 ديناراً لغارمة من محافظة مأدبا، فيما كان أعلى مبلغ بقيمة 1497 ديناراً، وتراوحت المطالبات الأخرى بين 100 و 200 دينار على سيدات صدر بحقهن مطالبات قضائية.

ويكلف كل نزيل من نزلاء مركز الاصلاح في الاردن 8400 دينار سنوياً، بواقع 700 دينار شهريا، وفق تصريحات مدير إدارة السجون السابق العميد محمد المرازيق خلال اجتماعه الأخير مع لجنة الشباب والرياضة النيابية.

ووفق معادلة حسابية بسيطة، فان 150 سيدة غارمة سيكلفون الحكومة 105 آلاف دينار شهرياً في حال القبض عليهن وإيداعهن السجون، في حين بلغت القيمة الإجمالية للمبلغ الذي سدده صندوق الزكاة عن 150 غارمة (70369) ألف دينار، أي أقل بـ (34) ألف دينار من الكلفة الشهرية لإيواء وإطعام وكساء 150 نزيلة في مراكز التأهيل والإصلاح.

ووفق طلبات الغارمات المقدمة لصندوق الزكاة، فإن نحو 95% من المتقدمات البالغ عددهن نحو 400 غارمة حتى لحظة اعداد التحقيق، صادر بحقهن طلبات قضائية من مؤسسات اقراض للمشاريع الصغيرة.

 

 

 

كيف تعاملت وسائل الإعلام مع القضية؟

وسائل الإعلام كانت ساحة خصبة للقضية، فغذت الجدل الدائر اجتماعياً حول شكاوى قروض التمويل الأصغر وأبرزتها بشكل مكثف لتجعل منها قضية رأي عام وأمن مجتمعي.

بدأت وسائل الإعلام بنشر الأخبار حول وجود عدد كبير من النساء الملاحقات قضائياً، فأوردت أرقاماً تتراوح بين 24 ألف امرأة ملاحقة إلى 34 ألف.

وتطور الأمر لتأكيد وجود سيدات مسجونات على خلفية تلك القروض وتعثر تسديدها، ونشر أحد المواقع الإخبارية خبراً يتحدث عن وجود 78 امرأة مسجونة في سجني "أم اللولو" و"الجويدة"، وهو ما حفز الجدل الدائر إعلامياً حول القضية.

ومن المحطات الجدير ذكرها المقال الذي نشره الكاتب ماهر أبوطير بمنتصف نيسان الماضي في إحدى الصحف اليومية بعنوان "عيب كبير" ينتقد فيه ملاحقة النساء غير القادرات على تسديد التزاماتهن تجاه صندوق المرأة، مورداً الارقام سالفة الذكر.

صندوق المرأة رد بدوره في اليوم التالي على مقال أبو طير في الصحيفة ذاتها وذلك بزاوية عُنونت بـ "حق الرد"، والتي نفت وجود مسجونات وأن هذا الاتهام "عارٍ عن الحقيقة اطلاقاً"، مؤكدين عدم وجود أي مسجونة من عميلات صندوق المرأة، وبخصوص ملاحقة الصندوق لـ 34 ألف سيدة أوضح الصندوق أن نسبة السداد تجاوزت 97 % خلال عام 2016، مضيفين بأنه "لم تتجاوز القضايا المرفوعة بجميع محاكم المملكة 1200 قضية علماً بأن جميع هذه القضايا حقوقية ولم تتقدم الشركة بأي شكاوى جزائية منذ تأسيسها".

وفي معرض رد سختيان على كثرة الشكاوى الواردة في الصحافة تجاه صندوق المرأة، طالبت سختيان بـ "صحافة تتأكد من المعلومات"، مضيفةً أن الأرقام التي تناولها الكاتب ماهر أبو طير حول الملاحقات والمسجونات بسبب شكاوى من صندوق المرأة أرقام "مضحكة".

مرصد (أكيد) رصد 48 مادة صحافية منشورة في الصحف المطبوعة والإلكترونية تناولت الشكاوى ضد شركات التمويل الأصغر، للتعرف على ملامح التغطية الإعلامية لهذه القضية والتي ظهرت على النحو التالي:

 

نوع المادة الصحافية:

تبين من الجدول (1) أن المادة الخبرية كانت هي المسيطرة في تغطية القضية وبنسبة 87.5 % وهو الأمر الذي يعود إلى أن القضايا التي تشغل الرأي العام وخصوصاً تلك القضايا التي لم يتم حسمها وتحوي أحداثاُ متجددة يتم تقديمها بقالب خبري.

 

جدول (1): نوع المادة الصحافية

نوع المادة الصحافية العدد النسبة المئوية
مادة خبرية 42 87.5 %
مادة رأي 6 12.5 %
المجموع 48 100 %

 

 

 

 

 

 

التوازن من حيث عدد المصادر:

ظهر من الجدول (2) أن المواد الصحافية بغالبيتها تضمنت مصدراً واحداً فقط وبنسبة 60.42 %، وهو ما يدل على أن التغطية كانت بغالبيتها غير متوازنة ومنحازة لأحد أطراف القضية بمعنى أنها أغفلت معيار التوازن في الطرح ولم تلتفت للطرف الآخر من القضية والشكوى.

ولوحظ أيضاً أن العديد من المواد التي تضمنت مصدرين أو أكثر، كانت فيها جميع المصادر لأحد الأطراف على حساب الطرف الآخر.

 

جدول (2): التوازن من حيث عدد المصادر

عدد المصادر التكرار النسبة المئوية
دون مصادر 1 2.08 %
مصدر واحد 29 60.42 %
مصدرين 9 18.75 %
ثلاثة مصادر 9 18.75 %
المجموع 48 100 %

 

 

 

 

 

 

 

اتجاه المادة الصحافية نحو صناديق التمويل:

الجدول (3) بين أن غالبية المواد أخذت اتجاهاً سلبياً نحو صناديق التمويل وبنسبة الثلثين، فيما كان نصيب الحياد من التغطية 12.5 % فقط، الأمر الذي يدل على انعكاس التوجه المسبق للوسيلة الإعلامي أو للصحافي على التغطية الإخبارية، مفتقدين بذلك عنصر الحياد والاكتفاء بعرض الوقائع دون محاباة أو تحيز لطرف على حساب الآخر.

 

جدول (3): اتجاه المادة الصحافية نحو صناديق التمويل

الاتجاه العدد النسبة المئوية
إيجابي 10 20.83 %
سلبي 32 66.67 %
محايد 6 12.50 %
المجموع 48 100 %

 

 

 

 

 

 

وساهمت وسائل الإعلام في التركيز على شعارات التمكين والترويج لقصص النجاح وتخصيص مواد ومساحات واسعة لها مقابل الحالات الكثيرة لقصص الفشل وتورط عملاء تلك الشركات.

صحيفة يومية أفردت على صفحاتها منذ بداية العام الحالي مساحات متعددة لأخبار "التمويل الأصغر" الإيجابية وقصص نجاحها ومبادراتها المجتمعية، وكانت بعض تلك المواد في الفترة التي كانت وسائل إعلام أخرى تضج بشكاوى الغارمات والمتعثرات عن دفع أقساط القروض المترتبة عليهم تجاه شركات التمويل الأصغر، ولم تُخصص الصحيفة المساحة المكافئة لمناقشة شكاوى العملاء والغارمات.

ومن الأمثلة على الأجندات المتناقضة في التعاطي مع هذا الملف نشر صحيفة يومية لتقرير بعنوان "غارمات أردنيات: أغلقوا مكاتب القروض.."تورطنا"" تناول شكاوى عميلات صندوق والتوقيف بسبب التعثر بتسديد دفعات القرض دون الأخذ برأي الشركة المقرضة في مقابل نشر صحيفة يومية أخرى قبلها بعدة أيام مقابلة مع المدير العام لذات الشركة المقرضة بعنوان "السختيان: صندوق المرأة لم يسجن أي عميلة" أبرزت انطباعاً إيجابياً ولم تُوجَه خلالها أسئلة تتعلق بالكثير من شكاوى عميلات الشركة.

وظهر من الرصد الإعلامي أن وسائل الإعلامي وقعت في تجاوزات إعلامية عديدة وأغفلت العديد من الأمور:

  • كالت العديد من وسائل الإعلام الاتهامات لشركات التمويل الأصغر وتحديداً لصندوق المرأة دون أن تُقدم بغالبيتها دلائل تثبت صحة تلك الاتهامات، وبالأخص حول وجود سجينات في مراكز الإصلاح والتأهيل بناءً على شكاوى مقدمة من الشركات الممولة.
  • غاب معيار التوازن عن العديد من المواد المنشورة وذلك في نقل المعلومات وآراء المصادر بتساوٍ ودون أي أحكام او تقييم، وفي عكس المحتوى لوجهات نظر ومعلومات كافة الاطراف بتساوٍ.
  • أخذت عدة وسائل إعلامية جانب المروج لتلك الشركات والتركيز على قصص النجاح لديها والمبادرات المجتمعية لتلك الشركات على حساب الشكاوى السلبية والمشاكل المتعلقة بعمليات التمويل، في مقابل وسائل إعلام أخذت جانب المهاجم لتلك الشركات، الأمر الذي خلق أجندات إعلامية متناقضة.
  • غاب نقاش الحيثيات القانونية حول شركات التمويل الأصغر ونسب الفوائد التي تفرضها تلك الشركات على عملائها.
  • لم تتطرق وسائل الإعلام للرقابة الجديدة من البنك المركزي على شركات التمويل الأصغر وطلبها لتصويب أوضاعها، وتخلف بعض الشركات عن تصويب الأوضاع.
  • وسائل الإعلام خلطت في أخبارها بين الموقوفات في المراكز الأمنية، والمسجونات في مراكز الإصلاح والتأهيل على خلفية التعثر في تسديد القروض.