هناك ثلاثة أطراف للخلاف الناشب بين وزارة البلديات وبلدية إربد على خلفية إلحاق الأخيرة عشرات "عمال الوطن" لديها بأعمال إدارية، هي: الوزارة والبلدية والعمال. لكن، أيّا من التغطيات الشحيحة للقضية، لم تجمع الأصوات الثلاثة، لتقدّم رواية بحدّ أدنى من التكامل. وبذلك، فإن قارئا يريد فهم ما يحدث، سيجد نفسه مضطرا للتنقل من تغطية إلى أخرى، ومن وسيلة إعلام إلى أخرى، كي يجمع روايات الأطراف المختلفة، ويركّب منها قصة.
المشكلة هي أن الفهم لن يتحقق حتى مع تتبع التغطيات الإعلامية، إذ يصطدم من يفعل ذلك بروايتين متناقضتين لوزارة البلديات وبلدية إربد، اكتُفى الإعلام بنقلهما، من دون أن يقدّم تفسيرا لتناقضهما.
خرجت القضية إلى الإعلام يوم 31 آذار (مارس) الماضي، عندما نشر موقع اخباري خبرا "مبهما"، لم يتجاوز الـ40 كلمة، عن اعتصام العشرات من "موظفي" بلدية إربد أمام مبنى المسلخ التابع للبلدية احتجاجا على ما قال الخبر إنه "رفض وزارة البلديات هيكلة مسمّامهم الوظيفي". ولم يوضح الخبر طبيعة عمل "الموظفين"، ولا ماهية "الهيكلة" التي أجرتها وزارة البلديات، أو سببها، ولا انعكاساتها التي دفعت الموظفين للاحتجاج.
في اليوم التالي، ستقدم صحيفة يومية جزءا من التفاصيل الناقصة، وتكشف أن المحتجين هم 127 موظفا عُيّنوا في البلدية "عمال وطن"، لكن رئيس البلدية، نقلهم إلى أقسام أخرى في البلدية، هي الكراج والحدائق والصيانة والمسلخ والمشاغل الهندسية. وبحسب الخبر، فإن هذا تمّ "من دون تحديد طبيعة [العمل] الموكل إليهم". وهذا ما دعا وزارة البلديات إلى مخاطبة البلدية، بكتاب رسمي، طالبتها فيه بإعادة هؤلاء إلى وظيفتهم، التي عينوا على أساسها، عمّالا للنظافة.
وفي وقت ينقل فيه الخبر السابق احتجاج العمال، فإنه لا ينقل في المقابل رواية البلدية، وسبب تحويلها أسماءهم الوظيفية، ولا طبيعة العمل الذي يقومون به في أقسامهم الجديدة. كما أن الخبر لا ينقل أيضا توضيحا من وزارة البلديات لملابسات موقفها من القضية، بل سنجد هذا في تغطيتين لاحقتين، نُشرتا، اليوم 5 نيسان (أبريل)، إحداهما في "الدستور" التي نقلت موقف وزارة البلديات وحدها، والثانية في "الرأي" التي نقلت موقف بلدية إربد وحدها.
في خبر "الدستور" يتّهم وزيرُ البلديات، المهندس وليد المصري، بلديةَ إربد بـ"التحايل"، ذلك ان البلدية كانت أعلنت أن تردي واقع النظافة فيها سببه نقص عدد عمال الوطن. وهذا ما دفع الوزارة، كما يقول المصري، إلى الموافقة على تعيين هؤلاء العمال. لكن البلدية، بحسبه، فاجأت الوزارة، وقامت "بتحويلهم إلى وظائف إدارية". الأمر الذي اكتشفته الوزارة، كما يقول، ضمن جولة تفتيشية. وقد توعّد الوزير بفصل كل من عُيّن تحت اسم عامل وطن، ويرفض الاستمرار في أداء مهام هذه الوظيفة.
ورغم أن خبر "الدستور" تضمّن اتّهاما مباشرا من الوزير لبلدية إربد بـ"التحايل"، إلا أنه لم يتضمّن، مع ذلك، ردّ البلدية على هذا الاتهام، بل نجد هذا الردّ في تغطية "الرأي" التي نقلت عن رئيس بلدية إربد، المهندس حسين بني هاني، تأكيده أن هؤلاء العمال "لا يمارسون أعمالا خارج مسمياتهم الوظيفية"، بل يؤدون في الأقسام الجديدة التي أُلحقوا بها "نفس مهام عامل الوطن" أي أنهم يقومون بأعمال نظافة داخل هذه الأقسام.
وهكذا يجد قارئ، تجشّم عناء تتبع القضية في الإعلام، نفسه أمام روايتين متناقضتين: الوزارة التي تقول إن هؤلاء حوّلوا إلى وظائف إدارية، والبلدية التي تصرّ على أنهم يقومون بأعمال النظافة، وبينهما العمال الذين لم تنقل التغطيات عنهم سوى احتجاجهم على إعادة اسم "عامل وطن" إليهم، من دون أن تستقصي منهم تأكيدا لأي من الروايتين.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني