ترجمة بتصرّف: دانا الإمام
أُضرمت النّار خلال الأيّام القليلة الماضية في ثلاثة أبراج اتّصالات على الأقل في المملكة المتّحدة، بينما تعرّض مهندسو اتصالات حاولوا الحفاظ على استمراريّة الشّبكة لهجمات واعتدءات. السّبب في ذلك هو اعتقاد البعض أنّ شبكات الاتصالات من نوع الجيل الخامس تنشر فيروس "كورونا" المستجدّ.
وجرى تداول هذا الاعتقاد الزّائف عبر شبكة الإنترنت خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهو ضمن مجموعة من الاعتقادات المغلوطة عن مخاطر تكنولوجيا شبكة الجيل الخامس للاتصالات. كما أنّ البعض يعتقدون أنّ مدينة "ووهان" الصّينيّة هي بؤرة انتشار الفيروس لأنّها من أكثر المدن تطوّرا.
لكن، ما سبب الانتشار الواسع لفرضيّة المؤامرة هذه خلال الأيّام القليلة الماضية؟ يمكن القول إنّ هذه الفرضيّات انتشرت بعد مشاركة شخصيّات معروفة في المملكة المتّحدة لأفكار تعزز فرضيّة المؤامرة، ومنهم الممثّل وودي هاريلسون والشخصيّة التلفزيونيّة أماندا هولدن والملاكم الأولومبيّ أمير خان. (هولدن أزالت تغريدتها بعد فترة).
ولم يكن الاعتقاد بانتشار "كورونا" عبر شبكة الجيل الخامس هو "المؤامرة" الوحيدة التي انتشرت منذ ظهور الفيروس، إذ تبنّى البعض أفكارا منها أنّ الفيروس هو سلاح بيولوجيّ صُمّم في مختبر في الصّين، وأنّ "بيل غيتس" هو من طوّر الفيروس لجني الأموال من استحداث برنامج عالميّ للمطاعيم.
يضاف إلى ذلك كمٌ كبيرٌ من المعلومات المغلوطة عن الفيروس المنتشرة على شبكة الإنترنت، والتي يزعم بعضها أنّ تحضير وصفات منزليّة معيّنة له القدرة على منع الإصابة بالفيروس أو الشفاء منه.
وقد يسهل إهمال انتشار المعلومات الخاطئة وفرضيّات المؤامرة، لكن يبدو أنّه يجب أخذ هذه المواضيع بجديّة أكبر، إذ تشير دراسة نشرها مركز دراسات أميركي في بداية شهر نيسان أنّ 39% من مشاهدي أخبار قناة "فوكس نيوز" يعتقدون أنّه تم تطوير فيروس "كورونا" في مختبر.
وهنا يبرز تساؤل: ما الدّور الذي يجب أن تقوم به المؤسسات الإعلاميّة للحد من تداول المعلومات المغلوطة عبر الإنترنت؟ تعمل مؤسسات التّحقق من المحتوى الإعلاميّ حول العالم على كشف الأخبار المغلوطة عن فيروس "كورونا". لكن هل يجب على غرف الأخبار في المؤسسات الإعلاميّة القيام بدور مماثل؟ قد تكون الإجابة "لا" قبل خمس سنوات من الآن؛ لأنّ الصّحافة معنيّة بالبحث عن الحقيقة، وليس تصحيح المعلومات المغلوطة المنتشرة على الإنترنت.
لكنّ أمور كثيرة تغيّرت الآن. ففي استبيان أجرته مجلّة "مذر جونز" الأميركيّة، أفاد 31% من القرّاء أنّه يجب أن يكون للمجلّة دور في كشف الأخبار المضلّلة التي تهدّد النّاس أو تزرع الخوف في نفوسهم.
ويشار هنا إلى صعوبة معرفة متى يجب أن يعرّي الإعلام المعلومات المغلوطة وافتراضات المؤامرة، فالعديد من المؤسسات الإعلاميّة لها جماهير كبيرة. وبالتّالي فإن تطرّق وسائل الإعلام هذه إلى إشاعات أو أخبار زائفة يتم تداولها يعطي مساحة للأخبار المغلوطة بحجم كبير حتى وإن كانت الإشارة إليها سلبيّة. وقد تكون نسبة كبيرة من الجمهور لم تعرف عن الإشاعات التي يجري نفيها أصلا.
ما يبعث على القلق في هذا الشأن هو أنّ دراسات نفسيّة تقول إنّ كشف زيف الأخبار المغلوطة المتداولة بطريقة خاطئة، أو عند صياغة عناوين هذه المواد بطريقة مبهمة، فإن المعلومة الخاطئة التي يتم نفيها هي التي ترسخ في ذهن القرّاء، وليس المعلومة الصّحيحة. وبالطّبع لا يعني هذا أنّ غرف الأخبار لا يجب أن تتطرّق إلى تصحيح بعض الأخبار المغلوطة، لكن يجب أن تقوم بذلك بحرفيّة وحذر.
وأظهرت التّجارب العمليّة في مجال تصحيح المعلومات المغلوطة أنّ كشف زيف الشّائعات في وقت مبكّر جدّا من بدء تداولها يعطي مساحة أكبر لتداول هذه الشّائعات. وإن تم التطرّق للشائعات في وقت متأخّر جدّا، يصبح من الصّعب تغيير معتقدات الأشخاص حول صحّة المعلومة الخاطئة، أو إقناعهم بأنّها خاطئة.
وفيما يخصّ الاعتقاد الخاطئ بأنّ فيروس "كورونا" ينتقل عبر شبكة الجيل الخامس، نحن حاليّا في ذروة انتشار هذه الشائعة، وهو الوقت المناسب للتّصدّي لها. وتبرز في المرحلة الحاليّة ضرورة أن تعمل غرف الأخبار في المؤسسات الإعلاميّة المختلفة على مكافحة انتشار الإشاعات الخطيرة المرتبطة بفيروس "كورونا"، والتي ستتبّب بأخطار حقيقيّة على أرض الواقع.
ومن الضّروريّ أن تتحلّى المؤسسات الإعلاميّة بالمسؤوليّة عند اختيار عناوين موادها، والابتعاد عن العناوين الجذّابة التي قد تزيد عدد المشاهدات لكنّها في الوقت ذاته تبعث برسائل تثبّت الشائعات في أذهان القرّاء.
المصدر:
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني