عمّان 1 كانون الأول (أكيد)- سوسن أبو السُّندس- في التغطيات الصحفية المهنية لا يبدأ الخبر من رأي، ولا تُبنى الحقيقة على صوت واحد، فجوهر العمل الصحفي يقوم على جمع الآراء المختلفة وموازنتها، والتحقّق من الادّعاءات عبر بيانات رسمية ومصادر موثوقة.
ويؤكد ميثاق الشرف الصحفي في المادة التاسعة أن رسالة الصحافة تقوم على الدقة والموضوعية، ما يجعل تقديم رأي فرد واحد تحت مسمّى "خبير" بوصفه حقيقة مكتملة، ممارسة لا تلبّي معايير التقرير الصحفي المهني، حيث يتحوّل النص إلى إعادة عرض لرأي شخصي، وليس لمادة صحفية تستند إلى تعدّدية في المعلومات والحقائق. [1]
وعلى ذلك، أجرى مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) رصدًا من خلال عيّنة قصدية لـ 15 وسيلة إعلامية خلال شهر تشرين الثاني، للوقوف على مدى حضور لقب "خبير" في التغطيات الإعلامية. ورُصدت 33 مادة صحفية بمتوسط مادة يوميًا، وأظهر الرصد توسعًا لافتًا في الاعتماد على اللقب في العناوين والمتون بوصفه المصدر الرئيس للمعلومات، دون الاستناد إلى بيانات أو وجهات نظر أخرى تُكمل الصورة الإخبارية.
وتبيّن من تحليل المواد المرصودة أن معظمها اعتمد على رأي واحد في تفسير القضايا المطروحة، رغم اتّصالها المباشر بصحّة الناس واقتصادهم وحياتهم اليومية. كما لجأت أكثر من نصف المواد إلى عبارات تحذيرية أو صياغات مثيرة عزّزت حضور "الخبير" باعتباره السردية المركزية، في حين غاب الدور المهني للصحفي في التحقّق والموازنة.
واتّسع نطاق استخدام لقب "خبير" ليشمل عدة موضوعات، إذ شكّلت الصحة النسبة الأكبر بـ11 مادة تناولت الإنفلونزا وكورونا وأمراض الجهاز التنفسي وسلامة الأغذية. وفي هذا الحقل، ظهر أكبر قدر من التناقضات، فإحدى المواد تتحدّث عن "موجة إنفلونزا مبكرة يقودها نوع A(H3N2)"، في ما تجزم مادة أخرى بأن "المرض المنتشر حاليًا هو كورونا"، ما ترك الجمهور أمام روايتين متباينتين دون تفسير أو تحقيق صحفي. [2] [3]
وجاءت التغطيات الاقتصادية في المرتبة الثانية، واشتملت على تسع موادّ تناولت الدين العام وأسعار المحروقات والفائدة والأسواق، واعتمدت معظمها على تقديرات خبير واحد، فإحدى المواد تقول: إن "الدين العام يقترب من 48 مليار دينار"، وأخرى تفسّر تأثير خفض الفائدة الأمريكية، دون الرجوع إلى بيانات وزارة المالية أو البنك المركزي أو تقارير رقابية تمنح الأرقام مرجعية موثوقة [4] [5]
وفي ملف الطقس، ظهر الاعتماد على الخبراء في خمس موادّ، بعضها يستند إلى توقعات بعيدة المدى للثلوج والكتل الباردة. ورغم إقرار الخبير نفسه بصعوبة التنبؤ الدقيق، تُقدَّم التوقعات في النصوص كما لو كانت معطيات مؤكدة، دون ربطها بتحديثات دائرة الأرصاد الجوية أو النماذج المعتمدة. [6]
أما السلامة الرقمية، فقد حضرت في ثلاث موادّ قدّمت تحذيرات مثل: "شواحن تخترق الهواتف" دون رأي مقابل من الجهات المختصة، ما جعل التقارير المرصودة أقرب إلى نقل أراء فردية منها إلى تغطيات تحققّية. [7]
كما شملت العينة موادً متفرقة في الشأن السياسي والمروري اعتمدت بدورها على مصدر أحادي دون استكمال عناصر التحقّق الضرورية.
ويُلاحظ أيضًا غياب توضيح خلفية عدد من الخبراء الذين استندت إليهم الموادّ، أو إبراز سبب اعتبارهم مرجعًا في الملف المطروح، ما يجعل اللقب فضفاضًا ويؤثّر على شفافية المعلومات المقدمة للجمهور. ويُعدّ الاستخدام غير المنضبط في هذا المجال مخالفة لمعيار الشفافية وحق الجمهور في معرفة مصدر المعلومات ودقّتها.
ويشير (أكيد) إلى أن المعالجة المهنية للخبر، تتطلّب تمثيل زوايا متعدّدة للموضوع، وفحص المعلومات ومقارنتها قبل نشرها، لضمان تقديم معرفة متوازنة للقارئ. وعندما يُقدّم رأي واحد بوصفه حقيقة كاملة، تتحوّل المادّة من تقرير يقوم على التعدّدية والتوثيق إلى مقابلة رأي مهما كان الشكل الإخباري الذي تتّخذه، وهو ما يحدّ من قدرة الجمهور على الوصول إلى صورة شاملة وموثوقة للمعلومات والأحداث.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني