عمّان 17 تشرين الثاني (أكيد)- عُلا القارصلي- انتشرت على السوشال ميديا صورة لكتاب قيل إنه صادر عن وزارة السياحة، وجوهره أنّ الشركة المنظّمة لحفل فني حصلت على إعفاء ضريبي لتسهيل إقامة الحفل. المحتوى كان مكتوبًا بصيغة رسمية توحي بأن الوزارة "وافقت على إعفاء الشركة من الضريبة الخاصة على التذاكر" بحجّة تنشيط السياحة وجذب الجمهور. ناشرو الكتاب تعاملوا معه كأنّه وثيقة إثبات نهائية على وجود امتيازات غير مفهومة تُعطى لجهات معيّنة. وبدأت الرواية تأخذ شكل قضية فساد أو على الأقل سوء إدارة مالية.
وبالرغم من أن الكتاب مجرّد صورة ودون تصريحات رسمية، تعامل معه الجمهور بمنطق "الانطباع الأول يربح". وتحوّلت التعليقات إلى حالة غضب وتصعيد، وتحوّل الموضوع إلى ترند واسع دفع الإعلام التقليدي إلى الدخول على الخط، لكن بطريقة الاستجابة المباشرة ونقل وجهات نظر دون التدقيق بالتصريحات وإعداد موادّ تحلّل القرارات الحكومية وتوضح الصورة للجمهور.
اعتمدت التغطيات الإعلامية على ثلاث روايات رئيسة: الرواية الأولى، جاءت من الجمهور ومن بعض النواب الذين اعتبروا أن الإعفاء الممنوح للحفل أكبر بكثير مما تمّ الإعلان عنه، واعتمد هؤلاء في تحليلاتهم على حسابات مباشرة لمبيعات التذاكر التي بلغت نحو 170–190 ألف دينار، واحتساب ضريبة المبيعات بنسبة 16 بالمئة، إضافة إلى ضريبة دخل مفترضة على الأرباح، وانتهوا إلى تقديرٍ يقارب 42 ألف دينار كإعفاء ضريبي، هذه القراءة انتشرت إعلاميًا بصفتها تحليلًا رقميًا، في حين أنّها لم تستند إلى أي نص قانوني أو مستند رسمي.
الرواية الثانية، كانت لكتاب مقالات وصحفيّين، رأوا في الحفل فرصة لتنشيط السياحة، واعتبر هؤلاء أن الإعفاء ليس خسارة ضريبية إنما محفّز اقتصادي، وأن ما ينفقه جمهور الحفل من إقامة في الفنادق ونقل وطعام وإنفاق يومي قد يعوّض قيمة الضرائب التي أعفيت. الإعلام روّج لهذه الرواية من باب المقارنة بين ما تخسره الخزينة مباشرة وما تكسبه الاقتصادات المساندة، لكنّه لم يذهب خطوة أبعد لتفكيك طبيعة الإنفاق أو التحقّق من دقّة أرقام الإشغال أو نسبه.
أمّا الرواية الثالثة، فقد جاءت على لسان الجهة المنظّمة نفسها عبر بيان إعلامي أكّدت فيه أن الإعفاء لا يتجاوز 11 ألف دينار، وأن العملية تمّت وفق "تعليمات رئاسة الوزراء لعام 2015"، هذه الرواية نقلها الإعلام كما هي، دون أن يطلب من الشركة كشفًا تفصيليًا يوضح البنود المعفاة، وكيف تمّ حساب مبلغ الـ 11 ألف دينار، ودون أن يتحقّق من صحة السند القانوني نفسه.
هنا ظهرت فجوة كبيرة في التغطية الإعلامية، فبعد عودة (أكيد) لقرار مجلس الوزراء الذي استندت إليه الجهة المنظّمة، ورقمه (9875)، وكان قد اتّخذ في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 31 أيار 2015، تبين أن القرار محدّد بمدة زمنية انتهت فعليًا بنهاية عام 2016.
يكشف النص أيضًا أن الإعفاءات الواردة في التعليمات المشار إليها، ليست مطلقة بل مشروطة بشروط صارمة؛ منها أن تكون الفعالية مدعومة أو ذات طابع وطني، وأن تذهب نسبة من عوائدها لجهات حكومية أو خيرية، وأن تتمّ الموافقة عليها عبر لجنة الإعفاءات في وزارة المالية وليس عبر مخاطبة وزارة السياحة فقط. هذا التفصيل الجوهري غاب عن الإعلام كليًا، رغم أنّه يقلب التغطية رأسًا على عقب. فالجهة المنظمة استندت إلى قرار انتهت صلاحيته، وشروطه لا تنطبق ظاهرًا على الحفل، ما يجعل الرواية التي بنى عليها الإعلام تغطيته رواية منقوصة ولا تستند إلى أساس قانوني فعلي.[1](ص21، البند 34).
يشير (أكيد) إلى أن غياب التدقيق في الروايات المنقولة، جعل التغطية الإعلامية أقرب إلى نقل وجهات نظر بدل أن تكون مواد إعلامية مبنية على التحقّق ومستندة إلى نصوص قانونية وأرقام رسمية. بهذا وقع الإعلام بخطأ مهني جوهري، ركّز على ردود الفعل وضجيج السوشال ميديا، ونقل الروايات المتناقضة كما هي، لكنه لم يذهب إلى النص القانوني نفسه.
الصورة المنتشرة منحت الإعلام مادة جاهزة، والبيانات المتبادلة أعطته مواقف مثيرة، لكن غابت الخطوة المهنية الأساسية، وهي فتح القرار الرسمي وقراءة تاريخه وصلاحيته وشروط تطبيقه.
ويدعو (أكيد) الصحفيّين عند تغطية القضايا المالية أو الضريبية أو التنظيمية، العودة للوثائق بدل الروايات، لأن المستندات الداعمة للأرقام أو الاتّهامات تحوّل الإعلام من ناقل للجدل إلى صانع معرفة، يفكك الحقيقة بدل من أن يكون جزءًا من الالتباس العام.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني