العنوسة في الأردن بين التضخيم الإعلامي والواقع الاجتماعي

العنوسة في الأردن بين التضخيم الإعلامي والواقع الاجتماعي

  • 2025-12-01
  • 12

عمّان 1 كانون الأول (أكيد)- عُلا القارصلي- يتعامل الإعلام الأردني مع ملف "العنوسة" كأنّه أزمة وطنية جاهزة للترند، مضخّمًا أرقامًا غامضة ويعيد تداولها باستمرار، والأرقام التي تتكرر  في الإعلام هي نفسها لم تتغير منذ سنوات. ويقدم الزواج كهدف إلزامي، ويحوّل قصص النساء غير المتزوجات إلى تهويل يغذّي الوصمة، بدل أن يناقش تحولات الزواج الواقعية، فيعاد باستمرار إنتاج الرواية نفسها دون التساؤل عن حقيقة الأزمة.

خلال الأيام الماضية، تداولت وسائل إعلامية عنوان "العنوسة في الأردن تصل إلى 45 بالمئة.. ومليون امرأة فوق سن 34 لم يتزوجن بعد" كأنه حقيقة مطلقة دون أي إشارة لمصدر البيانات أو محاولة لتحليلها.

المحتوى الصحفي بُني على اقتباس من تصريح خبير اقتصادي خلال مقابلة مع وسيلة إعلامية (في الدقيقة 43)، حيث كان يتحدّث عن البطالة. الخبير  أشار إلى الآثار الاجتماعية للبطالة، ومنها ارتفاع نسبة العنوسة، وقال إنّ هناك نحو 370 ألف سيدة أردنية فوق 35 لم يتزوجن، ثم ذكر أن العنوسة في الأردن تصل إلى 45 بالمئة، ومليون امرأة فوق 35 لم يتزوجن. بهذا يكون قد ذكر خلال حديثه  رقمين مختلفين، لكن وسيلة الإعلام التي أجرت المقابلة اختارت الرقم الأكبر ليكون عنوانًا لمقطع الترويج على اعتبار أنه أكثر جذبًا، ونقلته عنها وسائل إعلامية أخرى. [1] [2] [3] [4] [5]

هذا العنوان فتح الباب لإعادة ملف ارتفاع سن زواج الإناث في الأردن إلى الواجهة، وبدأت وسائل إعلامية بإعداد مواد صحفية عن الموضوع، واستُخدمت الأرقام ذاتها التي ذكرها الخبير سابقًا، وانطلق التحليل الشخصي وطرح حلول للحدّ من العنوسة. وقد أشار بعضهم إلى أنّ تعدّد الزوجات هو الحل، قي ما عدّه بعضهم الآخر بأنّه ليس حلًّا، وأن سبب العنوسة ليس نقص الرجال، بل "التعقيد والتدخل ورفع السقف بلا منطق".[6] [7] [8]

لاحظ (أكيد) أن جميع المواد الصحفية استندت إلى آراء شخصية دون العودة للدراسات العلمية أو الإحصاءات الرسمية. وتجاهلت الوسائل الإعلامية وظيفة الصحفي الأساسية قبل تصدير المعلومة للجمهور، وهي التحقّق من المعلومة، والتأكّد من صحة الأرقام. وعاد (أكيد) للدراسات، ولم يعثر على أيّ رقم يؤكد صحة ما جرى تداوله في الإعلام.

فهناك دراسة أجراها المجلس الأعلى للسكان بعنوان: "الزواجية واتجاهاتها في الأردن للفترة 2010–2022"، أظهرت استقرار معدلات الزواج خلال الفترة المذكورة، ونفت صحّة الخطاب الإعلامي حول العنوسة. وأوضحت الدّراسة أنّ ارتفاع عدد غير المتزوجات مرتبط بالنموّ السكاني الكبير في فئة سنّ الزواج، حيث تبلغ النساء بين سنّ 15 و49 سنة نحو 2.79 مليون.

وارتفعت نسبة من سبق لهن الزواج إلى 60 بالمئة، وفق تعداد 2015 ومسح 2018 وبيانات السجل المدني 2022. كما أشارت الدراسة إلى أن الزواج من غير الأردنيين لا يؤثر على حجم العزوبية، إذ يتزوج سنويًا نحو 5 بالمئة من الشبان من غير أردنيات، وتتزوّج 7 بالمئة من الأردنيات من غير أردنيّين، مؤكدة أن زيادة أعداد غير المتزوجات والمواليد بين 2010 و2022 اتّجاه ديمغرافي طبيعي.[9]

وأطلقت دائرة الإحصاءات العامة دراسة تحليلية في أيلول 2025 بعنوان: "واقع النوع الاجتماعي من منظور إحصائي"، أظهرت ارتفاع متوسط عمر الزواج الأول إلى 27.5 سنة للنساء و32.4 سنة للرجال، مع انخفاض عدد عقود الزواج المسجلة من نحو 67 ألفًا عام 2017 إلى حوالي 55 ألفًا عام 2022. كما بيّنت الدراسة أن فئات عمرية معينة، خصوصًا بين سنّ 30 و39 سنة تحتوي على نسب ملحوظة من النساء غير المتزوجات، ما يشير إلى تأخّر الزواج أكثر منه “عنوسة نهائية”. كذلك لوحظ انخفاض في نسبة الزواج من الأقارب والزواج المبكر، وهو انعكاس للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على قرارات الزواج في المجتمع الأردني.[10]

ولأن الدراسات تؤكد عدم دقة ما تم تداوله في الإعلام، يدعو (أكيد) الصحفيّين إلى الالتزام بالنقاط التالية عند التعامل مع مثل هذه الأرقام:

- التحقق من مصادر الأرقام قبل النشر، خصوصًا إذا كانت من تصريحات شخصية لخبراء.

- توضيح السياق الديمغرافي والاجتماعي للبيانات، والتمييز بين "تأخر الزواج" و"عنوسة دائمة".

- تجنب العناوين المثيرة التي قد تؤدي إلى خطاب كراهية أو وصمة اجتماعية.

- ربط الأرقام بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية بدلًا من عرضها بشكل مجرّد لجذب المشاهدات.