"الشموسة".. وسائل إعلام تصبح طرفًا في ترويع المواطنين وغياب لصحافة الحلول في زمن الضيق

"الشموسة".. وسائل إعلام تصبح طرفًا في ترويع المواطنين وغياب لصحافة الحلول في زمن الضيق

  • 2025-12-16
  • 12

عمّان 16 كانون الأوّل (أكيد)- عُلا القارصلي- شكّلت مدفأة "الشموسة" محورًا لمأساة إنسانية واجتماعية في الأردن، حيث سجلت الأسابيع الماضية وفيات مؤلمة ناتجة عن الاختناق بغاز أول أكسيد الكربون، راح ضحيّتها ما لا يقل عن عشرة أشخاص.

هذه المدفأة التي تتراوح أسعارها بين 20 و30 دينارًا، لم تكن مجرد خيار تدفئة عادٍ، بل كانت انعكاسًا مباشرًا لصعوبة الظروف المعيشية؛ ففي ظل ارتفاع تكاليف الطاقة ووسائل التدفئة الأخرى، لجأت شريحة واسعة من المجتمع إلى هذا الخيار الاقتصادي، بحثًا عن الدفء الضروري في الشتاء، دون إدراك كامل للمخاطر المحتملة التي تحملها هذه الأجهزة رخيصة الثمن، هذا الواقع الصعب كان يستوجب من التغطية الإعلامية أن تكون جسرًا للتوعية والحل، لا أداة لنشر الذعر.

ففي أعقاب ارتفاع الوفيات، أصبح اسم "الشموسة" مرادفًا للموت، وتنوّعت التغطية الإعلامية بين محاولات التوازن وبين الانزلاق نحو الترويع. لقد أصاب الإعلام في جوانب رئيسة، حين تولّى نقل البيانات الرسمية فورًا كتحذير الأمن العام بوقف الاستخدام والتحفظ على 5000 مدفأة. كما اتيحت الفرصة لجميع الأطراف للحديث كمقابلة الشركة المصنّعة والخبراء الهندسيّين والأطبّاء، ما ساعد على توضيح أبعاد الكارثة والمساءلة.

 في المقابل، أخطأت وسائل إعلام بشكل ملحوظ عندما ركّزت بشكل مفرط على نقل فيديوهات من وسائل التواصل الاجتماعي بهدف إثارة المشاعر وزيادة التفاعل، ما ضخّ الرعب في نفوس المواطنين بدلًا من تقديم توعية هادئة وموجهة.

يرى (أكيد) أنّه كان يمكن للإعلام أن يستغلّ هذه الأزمة لتبني مقاربة صحافة الحلول التي تركّز على الاستجابة للتحدّيات من خلال عرض حلول مجرّبة وقابلة للتطبيق، فبدلًا من الاكتفاء برصد حجم الكارثة، كان يجب تكثيف عرض الفيديوهات التوعوية التي لا تحذّر فقط، بل تعلّم المواطن كيفية التأكّد من سلامة الخرطوم والمُنظِّم بالوسائل البسيطة، وكيفية إجراء تهوية جزئية للغرفة دون التضحية بالدفء، أو تحديد العلامات المبكرة للاختناق، مثل الصداع والنعاس.

كذلك كان يجب توجيه المساءلة الإعلامية نحو الحل، بالمطالبة الفورية بتنظيم بيع هذه المدافئ بحيث يتم فرض حزمة إلزامية للبيع (المدفأة مع منظّم أصلي وخرطوم أصلي) تحت ختم رقابي، والبحث عن مبادرات حكومية أو مجتمعية لتقديم بدائل تدفئة آمنة بأسعار مدعومة لمساعدة الفئات الأكثر فقرًا.

يشير (أكيد) أن الإعلام أغفل تخصيص مساحة كافية لشرح آلية عمل المدفأة والخطر الكامن فيها، هذه المدفأة تعتمد على نظام تسخين يعمل بالغاز المسال يتم إيصاله عبر خرطوم طويل. ويكمن الخطر الأساسي في الاحتراق غير الكامل للغاز داخل الغرف المغلقة بإحكام، فالغاز يحتاج للأكسجين ليحترق بشكل كامل، وعند استنفاد الأكسجين داخل الغرفة، يبدأ الاحتراق غير الكامل بإنتاج غاز أول أكسيد الكربون (CO)، وهو غاز عديم اللون والرائحة يُلقب بـ "القاتل الصامت" الذي يرتبط بالدم بسرعة تفوق الأكسجين ويسبّب الوفاة.

وقد يضاعف الخطر استخدام مُنظِّمات غاز وخراطيم رديئة الجودة تفتقر للمواصفات، ما يزيد من احتمالية التسرّب أو عدم التحكّم بضغط الغاز، وهو ما يجعل بعض الأجهزة المشابهة مخصصة "للاستخدام الخارجي فقط"، فهذا الشرح العلمي المبسط، وليس قصص الرعب، هو ما يحتاجه المواطن للتعامل مع هذا النمط من الأجهزة بوعي وحذر.