عمّان 21 كانون الأوّل (أكيد)- عُلا القارصلي- الدراسة الإكتوارية هي تحليل علمي يعتمد على الرياضيات والإحصاء لتقدير المخاطر المالية المستقبلية وتحويلها إلى أرقام دقيقة تساعد المؤسسة على اتّخاذ قرارات مالية واستراتيجية مبنية على الاحتمالات والبيانات الواقعية. وانطلاقًأ من أهمية الدراسات الإكتوراية تُجري مؤسّسة الضمان الاجتماعي دراسة اكتوارية كلّ ثلاث سنوات لتقييم القدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المشتركين والمتقاعدين، ومراجعة التوازن بين الإيرادات والنفقات، بما يضمن استدامة النظام التأميني على المدى الطويل.[1]
أطلق الضمان الاجتماعي مؤخرًا دراسته الإكتوارية الحادية عشرة، والتي شغلت نتائجها حيزًّا واسعًا في وسائل الإعلام المحلية، نظرًا لكون هذا الملف يمسّ غالبية العاملين بأجر في سوق العمل. وقد تميّزت التغطية الإعلامية بالتأرجح بين اتّجاهين؛ الأول اشتمل على رسالة الطّمأنة المطلقة التي أكدت عليها المؤسسة، وجاءت بعنوان: "الدراسة الإكتوارية للضمان الاجتماعي: الوضع المالي للمؤسسة آمن ومستقر".[2] [3]
أمّا الاتّجاه الآخر فقد تعامل مع نتائج الدراسة على أنّها ليست ضمانة دائمة للاستقرار، استنادًا إلى النتائج التي تتوقّع الوصول إلى نقطة تعادل أولى عام 2030، حيث تتساوى الإيرادات مع النفقات التأمينية، وهو مؤشر طبيعي في الدراسات الإكتوارية، لكنّه يستدعي اتّخاذ إجراءات وقائية مبكرة، واستنادًا إلى تحذير الدراسة من نقطة التعادل الثانية التي تتوقّع فيها بحلول عام 2038 أن تُصبح العوائد الاستثمارية غير كافية لتغطية النفقات، خاصة في حال تراجع هذه العوائد.[4] [5]
ركزت معظم التغطيات الإعلامية على التحديات والتوصيات الرئيسة في الدراسة، لا سيّما ارتفاع نسب التقاعد المبكر وتأثيره السلبي على الموارد المالية، إضافة إلى خروج نحو 22.8 بالمئة من العاملين في سوق العمل من مظلة الضمان، ما يحدّ من نمو الإيرادات. وفي ضوء التحديات، أوصت الدراسة باتّخاذ إجراءات تشريعية وإدارية تشتمل على قانون الضمان الاجتماعي لتحسين التوازن بين الإيرادات والنفقات على المدى الطويل، مع التأكيد على استمرار الحوار الوطني مع الجهات الرسمية والخبراء حول الإصلاحات المقترحة، دون المساس بحقوق المشتركين أو زيادة الاشتراكات في الوقت الحالي.
ويرى (أكيد) أن فهم النتائج يتطلب تبسيط المصطلحات للجمهور بدءًا من معنى الاستدامة التي تعني أن يعمل الضمان الاجتماعي كـ "صندوق استثماري مكتفٍ ذاتيًا"، حيث تكون الأموال التي تدخل إليه (الاشتراكات) أكبر بكثير من الأموال التي تخرج منه (المعاشات)، ويُحوَّل الفائض إلى استثمارات تضمن مستقبله البعيد.
ويتثمثّل الخطر في نقاط التعادل التي تمثل تحولًا حرجًا في حياة الصندوق، فالنقطة الأولى هي تعادل الاكتفاء الذاتي المتوقع في 2030، وهي اللحظة التي تتساوى فيها الاشتراكات مع المعاشات، ما يجبر المؤسسة على الاعتماد على أرباح استثماراتها السنوية. أما النقطة الأكثر خطورة، فهي تعادل الأمان المالي المتوقع في 2038، هذا التاريخ هو مفترق الطرق الذي يمثل خطرًا حقيقيًا، لأن بعده لن يكفي مجموع الإيرادات (الاشتراكات والأرباح) لتغطية الالتزامات، وهذا يعني أن المؤسسة ستضطر للبدء ببيع أصولها واستثماراتها الرأسمالية لتمويل المعاشات، وهو ما يؤدي إلى استنزاف المدّخرات الأساسية وتقصير عمر المؤسسة بشكل دراماتيكي.
ولضمان أمان المؤسسة واستدامتها بنسبة 100بالمئة، يجب التدخل السريع والشامل للتعامل مع التحديات التي ذكرتها الدراسة، حيث يجب وقف إجبار الموظفين في القطاع العام على التقاعد المبكر بعد 30 سنة خدمة، لتقليل العبء الهائل على فاتورة التقاعد، ولا بد من توسيع قاعدة الشمول بفرض الشمول الإلزامي على العمالة الوافدة، وتكثيف الرقابة لمكافحة التهرب التأميني بما يعزّز المداخيل التمويلية.
وفي جانب الحوكمة، يتطلب الأمان المطلق إعادة هيكلة المؤسسة لمنحها مزيدًا من الاستقلالية والمهنية، مع الالتزام التام بعدم المساس بالحقوق والمزايا المكتسبة للمشتركين الحاليّين، والاستجابة لهذه الخطوات والإصلاحات المقترحة هي الضمانة الحقيقية لمد عمر المؤسسة لعقود طويلة، وتحويل الخطر المؤجل في 2038 إلى استدامة دائمة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني