عمّان 26 تشرين الثاني (أكيد)- عُلا القارصلي- هزّت جريمة مقتل طفلة في البادية الشمالية وجدان الشارع الأردني، وانتشر الحزن والغضب بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع وسائل الإعلام إلى تغطية مكثّفة للقضية. ورغم أن الاهتمام العام كان طبيعيًا بفعل حساسية قضايا الأطفال، إلّا أنّ جزءًا من التغطيات تجاوز المعايير المهنية، وانتهك حقّ الضحية وعائلتها بالكرامة والحق بالنسيان.
التفاعل الكبير كان متوقعًا، لأن قضايا الأطفال تحرّك المشاعر دائمًا، وتجذب الجمهور، ما يجعلها من أكثر الموضوعات التي تسعى المنصّات لتغطيتها بشكل واسع، لكن هذا الاندفاع الإعلامي جعل بعض الوسائل تنقل تفاصيل لا يجوز نشرها مهنيًا، خصوصًا في الجرائم التي يكون الأطفال ضحاياها. وجاءت أبرز هذه المخالفات على النحو التالي:
أولًا: نشر تفاصيل جرمية تمسّ كرامة الطفلة
تسريب أو نشر أيّ تفاصيل حساسة حول شكل الأذى، أو ما ظهر في التحقيق، أو ما كشفه الطبّ الشرعي، يُعدّ انتهاكًا مباشرًا للمعايير الدولية. وتؤكّد اليونسكو بوضوح أنّ نشر التفاصيل الجرمية الخاصّة بالضحايا، خصوصًا الأطفال يُعدّ إعادة إيذاء يجب تجنّبه.[1]
ثانيًا: انتهاك حق ذوي الضحية بالنسيان وعدم إعادة إنتاج الصدمة
وفق دليل الصحافة المستنيرة بالصّدمات، فإنّ عرض المعلومات التي تُظهر مشاهد العنف أو توثّق نمط الإيذاء ليس لها أيّ ضرورة مهنية، وتحوّل التغطية من خدمة عامّة إلى عملية أذى ثانوي، وتُعرّض أهل الضحية لألم جديد بسبب طريقة العرض الإعلامي، وهذا أمر يحرمهم من حقهم بالنسيان.[2]
ثالثًا: استخدام لغة إثارية بدل اللغة المهنية الرصينة
إن اعتماد عناوين من نمط "تفاصيل تقشعّر لها الأبدان" يخالف مبدأ عدم التسبب بالضرر المعمول به في الاتحاد الدولي للصحفيين IFJ، والذي يحذّر من استخدام لغة درامية في نشر أخبار الجرائم لأنها تخلق ضررًا غير مبرّر للضحايا وعائلاتهم.[3] كما أن ميثاق الشرف الصحفي الأردني يؤكد أنّ على الصحفيّين الابتعاد عن الإثارة في نشر أخبار الجرائم وفق ما جاء في المادة العاشرة منه.
رابعًا: المساس بخصوصية العائلة
تُشدّد أدلّة منظمة Article 19، على ضرورة تجنب نشر التفاصيل التي يمكن أن تؤذي الضحية أو أسرتها اجتماعيًا أو نفسيًا، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضية قتل لقاصر.[4]
خامسًا: تحويل الجريمة إلى محتوى تفاعلي بدل تقديم مادّة معرفة
المنصات التي ركّزت على التفاصيل بهدف رفع نسب المشاهدة، دخلت في مسار يبتعد تمامًا عن الوظيفة الأساسية للإعلام، لأن المبالغة في ذكر التفاصيل يُعدّ نوعًا من تحويل الألم إلى محتوى وليس إلى وعي أو مساءلة.
ويرى (أكيد) أن القصّة مؤلمة بما يكفي دون الحاجة إلى إعادة تداول تفاصيلها على الملأ، وحماية الضحية وعائلتها في التغطيات الإعلامية ليست خيارًا بل التزام مهني وأخلاقي صريح تؤكد عليه مواثيق الشّرف والمراجع الدولية. وعندما تتحول الجريمة إلى سرد مثير، يخسر الإعلام دوره في حماية الفئات الأضعف، ويصبح جزءًا من المشكلة بدل أن يكون جزءًا من الوعي العام. وعليه، يتحفظ (أكيد) عن نشر روابط هذه الأخبار كي لا يسهم في مزيد من التداول لها.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني