"مدينة عمرة" .. الإعلام ينشغل بوهج الإطلاق ويتجاهل البحث عن إجابات لأسئلة جوهرية

"مدينة عمرة" .. الإعلام ينشغل بوهج الإطلاق ويتجاهل البحث عن إجابات لأسئلة جوهرية

  • 2025-12-04
  • 12

عمّان 4 كانون الأوّل (أكيد)- شرين الصّغير- على وقع الإعلان الرسمي عن إطلاق مشروع مدينة عمرة، والذي وُصف بأنه "نواة لمدينة مستقبلية نموذجية"، وجد مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) أن وهج الإطلاق وعرض المعطيات الأولية، أشغل معظم حيّز التغطيات الإعلامية، وغاب عن أكبر المشاريع الوطنية.

ففي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو حجم الاستثمارات الموعودة، ودور القطاع الخاص المنتظر، والتكلفة الأولية على الخزينة، تحوّلت غالبية التغطيات إلى نقل حرفي لتصريحات المسؤولين والخبراء المؤيدين، دون ممارسة الدور الجوهري للصحافة، وهو التدقيق والمساءلة،  ذلك أنّ هذا النمط من التغطية الذي يفتقر إلى الصوت المحايد أو المستقل، يطرح تساؤلات حول مدى استجابة وسائل الإعلام لمبدأ الشفافية في تناول المشاريع الوطنية الكبرى.[1] [2]

لقد أثبت تقرير سابق لـ (أكيد) بتاريخ 7 أيلول 2025 أن المشروع عانى من ضعف الحضور الإعلامي منذ طرحه للمرّة الأولى عام 2017، حيث اقتصرت التغطية في السنوات الماضية على عدد محدود جدًا من المواد الصحفية.[3]

هذا الإخفاق الممتد أدّى إلى عدم قيام الإعلام بدوره كإعلام تنموي في شرح الأبعاد المتكاملة للمواطنين لمشروع ذي طبيعة تنموية أصلًا، وفي مقدّمة ذلك، التحوّل من تصور لمدينة إدارية إلى مشروع حضري، ما ترك المجال ربّما لتشكيل اتّجاهات سلبية أو متحفّظة لدى شريحة من الجمهور، حيث طالب بعضهم بإعادة تأهيل مدن قائمة بدلًا من التفكير بإنشاء مدن جديدة.

ركزت التغطيات الإعلامية بشكل كبير على أنّ التمويل سيأتي من "الاستثمار الأجنبي والمحلي"، لكنّها لم تنجح في طرح أسئلة أساسية تتعلق بالمساهمة الحكومية الأولية ومصير الأصول الوطنية منها، لا سيما:

- تكلفة البنية التحتية؛ فالإعلام لم يسأل عن الميزانية التقديرية لتطوير البنية التحتية الأساسية (طرق، مياه، كهرباء) للمرحلة الأولى على مساحة 40 ألف دونم. وفي غياب هذه الأرقام، يتعطّل حق المواطن في معرفة حجم الالتزام المالي التقديري على خزينة الدولة بشكل مسبق.

- يقوم المشروع على نصف مليون دونم من أراضي الخزينة،  ولم يطالب الإعلام بتفاصيل واضحة حول آلية تقييم هذه الأراضي عند بيعها أو تخصيصها للمستثمرين لضمان حماية الأصول العامة.

فضلًا عن ذلك، لم تسأل التغطيات الإعلامية عن هوية المستثمرين الأوائل أو الشركاء الاستراتيجيّين الذين سيتحمّلون جزءًا من مخاطر المرحلة الأولى. كما لم تسأل عمّا إذا كانت هناك تكلفة للتخلي عن سياسات سابقة. فقد أكد البيان الرسمي للحكومة أن المدينة "لن تكون عاصمة جديدة ولا إداريَّة"، بعد أن كان يُروّج  لها  كبديل إداري، لكن الإعلام لم يستفسر عن أسباب هذا التغيير الجذري في المخطط.[4]

يكشف التحليل النوعي للتغطيات التي رصدها (أكيد) أن وسائل الإعلام انغمست في التعريف بالعناصر الأساسية للمشروع الجديد، وغابت عن المتطلبات المهنية في توفير التحليلات والتقارير المعمّقة لأبعاده المختلفة. فقد اعتمدت وسائل الإعلام على تصريحات خبراء ورجال أعمال ومسؤولين سابقين أشادوا جميعهم بالمشروع، لكنْ كان هنالك تجاهل لآراء خبراء البيئة والتنمية المستدامة، وكذا أصوات أكاديميّة نقدية أو مستقلة، ما يمثّل تحيزًا في التناول الإعلامي.

كما ركزت التغطيات على الترويج لـ "الآلاف من فرص العمل"، و"المدينة الخضراء"، و"القفزة النوعية" دون أن تسأل عن دراسات أولية موثّقة تزكّي هذه الأرقام أو الوعود، ما يجعل التغطيات أقرب إلى  التعريف بالمعلومات الأولية، والإشادة بالمشروع منه إلى تقارير تتصف بالشمول والتكامل.[5]

يرى (أكيد) أن مشروع مدينة عمرة هو فرصة تنموية كبرى، لكن نجاحه يتطلب شفافية كاملة تتجاوز مرحلة الإطلاق والاحتفالية، ويدعو وسائل الإعلام المحلية إلى تعزيز مسار تغطياتها من خلال:

  1. الكشف عن تكلفة البنية التحتية الأولية وحصة الخزينة منها.
  2. التّحقّق من آليات تخصيص أراضي الدولة والكشف عن هويات الشركاء أو فئاتهم.
  3. توسيع نطاق التغطية لإشراك خبراء مستقلين لتقييم كل محطة من محطات المشروع، وعدم قصر التغطية على مجال نقل المعلومات والإشادة بها، بما يعيد بناء الثقة في دور الإعلام التنموي.