عمّان 14 كانون الأّول (أكيد)- سوسن أبو السُّندس- "إسرائيل تُغلق حنفية المياه على الأردن"، و"اللي يتحركش بيعطش" .. عناوين لافتة لم تستند إلى أي إعلان رسمي أو قرار حكومي من الجانب الإسرائيلي، إلّا أنّه جرى تداولها على نطاق واسع عبر منصّات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا عبر منصّة X))، وجاءت هذه الصياغات نتيجة ترجمة فضفاضة لتقرير نشرته صحيفة معاريف العبرية استخدمت فيه عبارات قابلة للتأويل، أشارت إلى أنّ إسرائيل أبلغت الأردن بوقف تجديد ضخّ حصته السنوية من المياه.
وعند تقييم التقرير الذي نشرته صحيفة معاريف مهنيًّا، يتبيّن أنّ النشر الذي يعتمد على مصادر مُجهّلة ولا يُرفق بأي وثيقة رسمية أو تصريح مُعلن، لا يرتقي إلى مستوى الخبر المكتمل، بل يقترب من الانطباع أو التقدير أكثر من كونه معلومة قابلة للتحقّق. ورغم ذلك، انتقلت الرواية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بصيغ جازمة توحي بأن القرار مؤكّد ونهائي. بهذا أسهم الجمهور في إعادة إنتاج رواية إسرائيلية غير موثّقة جاءت في سياق ضغط سياسي على الأردن.
ويُشار إلى أن ملف المياه لطالما اتّخذ طابعًا سياسيًا في فترات التوتر، فقد سبق أن أشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن تل أبيب درست عدم تمديد اتفاقية المياه على خلفية المواقف الأردنية الرافضة للعدوان على غزة.[1]
تتبّع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) التغطيات المرافقة، فتبيّن أن مسار تداول الرواية كان سببًا مباشرًا في الالتباس، إذ بدأ من تقرير عبري لا يستوفي معايير الخبر الموثوق، ثم تحول إلى محتوى نشط على منصّات التواصل الاجتماعي، قبل أن تتبنّاه بعض وسائل الإعلام المحلية، وتعيد نشره دون تحقّق، في ما قدّمت وسائل أخرى نفيًا رسميًا للادّعاءات، فتحوّلت الرواية بهذا المسار من ادّعاء غير مؤكّد إلى مادة واسعة الانتشار في ظل غياب معالجة مهنية تضبط الخبر وتضعه تمامًا في سياقه الصحيح.[2] [3]
أظهر الرصد تأخرًا في استجابة المؤسسات الإعلامية والرسمية للتعقيب على الخبر، ما خلق فراغًا معلوماتيًا في الساعات الأولى بعد نشر تقرير معاريف في 8 كانون الأول، وكان يفترض من وسائل الإعلام السعي إلى التحقّق والتواصل مع الجهات المختصة قبل نقل الرواية بصيغ جازمة. واستمرّ الفراغ حتى 10 كانون الأول، حين بدأت بعض الوسائل بنقل نفي منسوب إلى مصدر رسمي يؤكد أن الأردن لم يتلقَّ أي بلاغ من إسرائيل بشأن اتّفاق المياه. [4]
ورغم أهمية النفي الرسمي، إلا أنه جاء بعد يوم من انتشار الرواية ومن دون بيان رسمي واضح، ما أبقى مساحة للتساؤل في ظلّ اتّساع تداول المحتوى على منصّات التواصل الاجتماعي.
وبالعودة إلى النصّ الأصلي لصحيفة معاريف، تتّضح أثر الترجمة الموسّعة في تضخيم الرواية، إذ تُظهر ترجمة Google Translate أنّ التقرير لم يذكر أي حديث عن "قطع المياه"، أو "إغلاق الحنفية" وفق ما جرى تداوله، بل جاء بصياغة عامة تقول: "إسرائيل متورطة بشكل مباشر: الأردن تلقّت ضربة ستجد صعوبة في التعافي منها". كما أنّ متن التقرير اكتفى بالإشارة إلى أن إسرائيل "لا تنوي ضخّ الحصة السنوية المتفق عليها"، وهي صياغة تعكس اتجاهًا محتملًا لا قرارًا نهائيًا.
يشير (أكيد) إلى أنّ تغطية ملف المياه بين الأردن وإسرائيل تتجاوز إطارها الخدمي لتأخذ بُعدًا سياسيًا تُستغل فيه الروايات غير الموثّقة بهدف زعزعة الثقة الداخلية والتأثير على الرأي العام.
وفي سياق الحديث عن الدراية الإعلامية والمعلوماتية، تبرز أهمية أن يمارس الإعلام دوره في التدقيق والتفسير والتوعية، لا أن يتحوّل إلى قناة لإعادة إنتاج أخبار غير محق!ّقة، فالتعامل المهني مع مثل هذه الملفّات الحساسة، هو ما يحول توظيفها سياسيًا ويحفظ حق الجمهور في الحصول على معلومة دقيقة ومسؤولة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني