"تجنيد الأردنيين في روسيا" .. معلومات مبكرة لم تُستثمر وفجوة زمنية كشفت غياب الدور الوقائي للإعلام

"تجنيد الأردنيين في روسيا" .. معلومات مبكرة لم تُستثمر وفجوة زمنية كشفت غياب الدور الوقائي للإعلام

  • 2025-12-09
  • 12

عمّان 9 كانون الأوّل (أكيد)-سوسن أبو السُّندس- لم تبدأ التغطية الإعلامية لملف تجنيد أردنيين للقتال في صفوف الجيش الروسي مع بيان وزارة الخارجية في أواخر تشرين الثاني، وإن كان البيان قد منح القضية حضورًا واسعًا عبر وسائل الإعلام المحلية.[1]

تعود جذور التغطية الإعلامية إلى مطلع أيلول الماضي، حين نشرت وسائل إعلام محلية محتوى استقصائيًا يوثّق أولى الإشارات على وجود عمليات استدراج منظّمة عبر تيلغرام، تضمّن محادثات وصورًا تكشف مستوى التنظيم الذي تعمل به جهات التجنيد. كما أظهرت وسيلة إعلام أخرى شهادة مصوّرة لزوجة رائد صبري حمّاد، تحدّثت فيها عن استدراج زوجها إلى روسيا بعقد عمل إداري اتّضح أنّه غطاء للزجّ به في مواقع القتال. وبحسب التغطيات الإعلامية اللاحقة، فإن حمّاد هو أحد الضّحايا الذين فقدوا حياتهم في المعارك على الجبهة الروسية.[2] [3]

ورغم أهمية النشر الإعلامي المبكر، إلّا أنّه لم يتحوّل إلى متابعة حقيقية، أو مساءلة، أو حتى حملة توعية في الأسابيع التالية، حيث بقيت القصة ضمن تغطيات أوّليّة لم تُستثمر إعلاميًا، بينما التقطت وسائل إعلام خارجية تلك المواد، وأعادت تقديمها في سياقات موسعة أكسبت القضية انتشارًا عبر وسائل إعلام خارجية.[4]

تتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) التغطية الإعلامية المرافقة للخبر عبر تحليل عينة قصدية احتوت على 25 مادة، فتبيّن أن معظم التغطيات بدأت بعد إعلان وزارة الخارجية مقتل مواطنين أردنيّين اثنين[5]. وتعاملت مع الحدث بوصفه خبرًا عاجلًا على الرغم من توفر معطيات مفصلية حوله منذ أكثر من شهرين، الأمر الذي يشير إلى خلل في الدور الوقائي للإعلام المحلي، فبعض الوسائل امتلكت السبق لكنها لم تبنِ عليه، ثم عادت إلى الملف بعد البيان الرسمي، في نمط تغطية يمثّل شكلًا من أشكال الاستجابة لا من المبادرة.

ولعلّ الإشكال لا يكمن في غياب النشر فحسب، بل في غياب الاستثمار فيه بوصفه مدخلًا لبناء سياق تحذيري ورقابي يحمي الجمهور من المخاطر العابرة للحدود، والتي تستغّل الفئات الأكثر هشاشة عبر الفضاء الرّقْمي. بهذا تحوّلت التغطية إلى نقل النتائج لا إلى استباق الأسباب.

تحليل عينة الرصد أظهر أيضًا أنّ التغطيات اللاحقة اكتفت بنشر بيان وزارة الخارجية، وتجاهلت أسئلة جوهرية تتعلق بحجم الظاهرة ومسؤوليات الدولة، فلم تُطرح تساؤلات حول عدد الأردنيّين الذين استُدرجوا، أو حول وجود بلاغات سابقة، وكذا بالنسبة للثغرة القانونية التي تسمح بانخراط مواطنين في جيوش أجنبية دون إطار تشريعي واضح. كما لم تُناقش مسؤولية الوسطاء الرّقْميّين الذين ظهروا بوضوح في مقاطع التجنيد عبر تيلغرام الواردة في التحقيق. ورغم وجود تحليل قانوني نُشر لاحقًا، غير أنّ هذا البعد بقي شبه غائب عن معظم التغطيات، في وقت كان يُفترض فيه أن يشكّل أساسًا للنقاش العام حول حماية المواطنين من مخاطر التجنيد الخارجي.[6]

في وقت لاحق، نشرت إحدى وسائل الإعلام مقالة رأي تحليلية اعتمدت على مقاربة اجتماعية وأمنية، عدّت فيها أنّ الظاهرة لا تقتصر على حالات فردية، بل تمتد إلى أعداد قد تصل إلى عشرات الأردنيّين الذين دفعتهم الظروف الاقتصادية للقبول بعقود مغرية، لينتهي الأمر بمدنيّين غير مؤهلين في الخطوط الأمامية للقتال.[7]

وفي سياق متصل، قدّمت وسيلة إعلامية أخرى قراءة قانونية ربطت بين تجنيد الأردنيّين والاتجار بالبشر، مشيرة إلى أن الخطر لا يكمن في أفعال الأفراد فقط، بل في شبكات استدراج قد تكون منظّمة أو مرتبطة بجهات غير رسمية تستغل الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية للمستهدفين.[7]

يشير (أكيد) إلى أن التغطية الإعلامية لملف تجنيد الأردنيّين في الجيش الروسي  تكشف عن فجوة بين القدرة على الوصول إلى المعلومة والقدرة على تحويلها إلى مساءلة أو وعي عام. وفي ظل المخاطر العابرة للحدود وشبكات الاستدراج الرّقْميّة، يصبح من الضروري أن ينتقل الإعلام من تغطية ردّ الفعل إلى المبادرة الاستقصائية والبناء عليها، وأن يؤدي دورًا فاعلًا في توعية الجمهور إزاء تلك المخاطر.