أكيد – أنور الزيادات
تثير قرارات حظر النشر التساؤل حول كيفية الحفاظ على حق الجمهور في الاطلاع والمعرفة والحصول على المعلومات، وبين الدواعي الأمنية والمصلحة الوطنية التي تقتضي عدم النشر.
وصدر خلال شهر أيلول الحالي قرارين بحظر النشر حيال قضيتين شغلتا الرأي العام وهما وفاة امرأة قبل عامين و مقتل شاب في مركز تربية خاصة، ويشكل ذلك عودة إلى قرارات حظر النشر التي بلغت ذروتها في العام الماضي 2016.
مرصد مصداقية الاعلام الأردني (أكيد) تتبع تعاميم حظر النشر في الساحة الإعلامية الأردنية خلال ثلاثة اعوام من الاول من كانون ثاني 2014 وحتى الاول من كانون ثاني 2017، اضافة الى قرارات حظر النشر الصادرة خلال العام الحالي من الاول من كانون ثاني 2017 وحتى 17 أيلول 2017، لتقييم حجم هذه الممارسة ونوع القضايا التي حظر النشر فيها.
وتبين خلال الرصد صدور 28 تعميماً بحظر النشر، في عدد من القضايا بعضها أمنية عسكرية، وأخرى اقتصادية، وبعضها مرتبط بقضايا جنائية وجرائم قتل "تحت طائلة المسؤولية "، مصدرها الأساسي محكمة أمن الدولة، ومدعي عام عمان, ومحاكم الجنايات والأمن العام, وذلك عقب تداول ملفات وأحداث شغلت الرأي العام الأردني، وتحت هدف معلن وهو "الانتهاء من مجريات التحقيقات والحفاظ على السرية".
جدول رقم (1)
قرارات حظر النشر وتاريخ صدورها
وتصدر العام 2016 قائمة قرارات حظر النشر بواقع 11 قرارا وبنسبة 39.3%، ثم العام 2014 بعدد 7 قرارات ونسبة 25%، ثم العام 2015 بعدد 6 قرارات ونسبة 21.4%، ما يظهر تراجعا نسبيا في العام 2015 مقارنة بالعام 2014، ما كاد الانخفاض أن ارتفع الى الضعف تقريبا في العام 2016، ثم عاد في العام الحالي 2017 الذي لم ينته بعد الى الانخفاض بشكل ملحوظ ليسجل 4 قرارات بنسبة 13.3%.
جدول رقم (2)
توزيع القرارات بحسب الاعوام
وأحتلت الموضوعات التي تحمل شبها وتهما جنائية المرتبة الاولى في الممنوع من النشر وبنسبة 39.3%، وقضايا الارهاب 14.3% والقضايا الأمنية 14.3% والقضايا الاخرى بنسبة 25% وفي المرتبة الاخيرة كانت الجرائم والقضايا الاقتصادية بنسبة 7.1%.
الجدول (3)
موضوع القرار
ولم تكن التعاميم مجرد تحذير، بل تعدت الى تطبيق ما تم التحذير منه، ومن ذلك "أمن الدولة توقف الصحفي مرايات لعدم التزامه بقرار حظر نشر"، وجاء في الخبر "أصدر مدعي عام أمن الدولة قرارا بتوقيف الصحافي غازي مرايات من صحيفة الرأي لنشره لائحة اتهام تتعلق بعمل ارهابي اتهم به عراقي من أصل نرويجي حظرت الهيئة العسكرية الحاكمة لدى المحكمة النشر عنها، موجها له تهمة القيام بأعمال من شأنها تعريض المملكة لخطر اعمال عدائية وتعكير صلاتها بدولة اجنبية تعرض الأردنيين لخطر اعمال ثأرية، مقررا توقيفه 15 يوما على ذمة القضية في مركز اصلاح وتأهيل ماركا".
وقالت المحامية والمستشارة القانونية هالة عاهد لمرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) "أن قانون أصول المحاكمات الجزائية ينص على علنية المحاكمات التي تعتبر ضمانه لمسار المحاكمة وحماية جميع أطرافها، إلا في بعض القضايا كقضايا الأسرة والاحداث التي ينص قانونها على عدم علنية المحاكمات، لكن في غير ذلك لا يوجد ما يبرر حظر النشر، والمحاكمات السرية وهي خلاف الاصل".
وأضافت أن "المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر وتعديلاته رقم 8 لسنة 1998 تحظر على المطبوعة الصحفية نشر محاضر التحقيق المتعلقة بأية قضية قبل احالتها الى المحكمة المختصة، الا اذا اجازت النيابة العامة ذلك، أي أن حدود حظر النشر هي محاضر التحقيق لأنها محاضر سرية ولأن الأصل في التحقيق أن يكون سرياً والمحاكمات علنية".
وقالت "يجب أن لا يستخدم حظر النشر كخطوة استباقية، ففي بعض القضايا لم يكن أي مبرر لحظر النشر فيها كقضية الصحفي ناهض حتر"، مشيرة الى أن "حظر النشر لن يحظر تداول الناس للمعلومات بشكل شخصي وبوسائلهم، ما يجعل البيئية ملائمة لانتشار الشائعات والمعلومات غير الدقيقة".
وأشارت إلى "أهمية عدم التأثير على سير العدالة من خلال التأثير على سلطات التحقيق لصالحهم أو ضدهم أو التأثير على المتهمين أو الشهود أو الخبراء أو على القضاة الذين سيفصلون في الدعوى لان ذلك يعتبر انتهاكا لحرمة المحاكم".
وحول حظر النشر في القضية الاخيرة "قضية أروى"، قالت "لا أجد أي مبرر أو مسوغ قانوني لحظر النشر في قضية صدر بها حكم، واذا كان هناك توجه لحظر النشر فكان يجب فتح التحقيق من جديد في القضية واذا ما كان هناك ادلة جديدة، وبعد ذلك اصدار قرار حظر النشر"، مضيفة "اذا كان هناك ما يمس النيابة العامة او هيبة القضاء فيما ينشر فيمكن تحويل المخالفين إلى المحكمة، معتبرة ما حدث رقابة غير مبررة على الإعلام".
ويقول مدير عام هيئة الاعلام محمد قطيشات في تصريحات صحافية رداً على تساؤلات حول ? قرارات حظر النشر في القضايا العامة، "أن هذا الأمر (حظر النشر) يتعلق بالجانب القضائي ولا علاقة لهيئة الإعلام والحكومة به"، مشيراً الى "اختصاص النيابة العامة بهذا الشأن لان القضايا التي يحظر النشر بها تكون قيد التحقيق ولا يسمح النشر حولها حسبما ورد في القوانين المتصلة".
في المقابل، ووفق تقرير صحافي يقول الخبير الإعلامي الدكتور يونس عرب أن حظر النشر هو "اعتداء صارخ على حرية الإعلام وحق المواطن في المعرفة"، ويشير عرب الى أنه "في الدول الديمقراطية لا يتم حظر النشر حتى لو كانت هناك قضايا خطيرة، وكثيرا ما تكون أخطر من القضايا التي تحدث في الأردن"، مستشهدا بألمانيا وجنوب أفريقيا، حيث لم تشهدا حظرا للنشر قط رغم حساسية القضايا التي حدثت فيهما مثل العنصرية والفساد والاغتيالات.
ويضيف: "النشر هو جزء من حق دستوري مكفول، وأي قيد عليه هو اعتداء على الدستور، صحيح أن بعض القضايا الأمنية تتطلب نوعا من السرية، خاصة التي تكون في إطار التحقيقات، لكن هذا لا يعني ممارسة تقييد حرية الإعلام".
وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش أوامر حظر النشر في الأردن خلال العام 2016 ، فرغم اعترافها بأن قرارات الحظر تتعلق بـ "مسائل حساسة"، إلى أنها أشارت إلى "وجود ما يهدد قدرة الصحفيين على الحديث عن القضايا والأحداث العامة"، معتبرة المنظمة "أن ذلك يهدف إلى إسكات وسائل الإعلام وحظر اطّلاع الناس على مسائل حساسة"، على حد ما ورد في بيانها.
وفي السياق ذاته قال الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور خلال اعلان التقرير السنوي لحالة الحريات الإعلامية في الأردن لعام 2016، "لو استبعدنا تعاميم حظر النشر من المشهد الإعلامي لعام 2016 والتي كانت علامة فارقة، فإنه يمكن القول بيسر أن حالة حرية الإعلام في الأردن لم تشهد انتكاسة أو انتهاكات جسيمة".
الاعلام بدوره تناول تعاميم حظر النشر تحت العديد من العناوين: ومنها "الحظر من النشر" إجراء عرفي عقيم وبلا أثر في ضوء انفتاح الفضاء الإعلامي خلص الى "أن قرارات حظر النشر أو حظر تدفق المعلومات، هي اجراءات عقيمة في ضوء انفلات الفضاء الاعلامي الذي أصبح لا تحده حدود ولا تضبطه قيود"، مشيرا إلى "أن الوسيلة الأنجح لتطويع هذا الانفلات هي رفع سوية ثقافة المواطنين نحو تقدير المسؤولية المهنية والوطنية لترشيد عملية نقل المعلومات وتداولها"، مضيفا "أن الرأي العام عندما يهتم بقضية ما ويتم حظر النشر فيها سيتجه الى وسائل اعلام خارج حدود الوطن ليستقي منها الأخبار".
حكاية تنامي ظاهرة "حظر النشر" في الاردن عنوان أخر شدد على "أن حق النشر والحصول على المعلومة حق دستوري، وأن أي اعتداء عليه يعتبر انتهاكا يتوجب توقفه".
ولا بد من الإشارة الى أن بعض الاعلاميين والكتاب قاموا بطرح هذه القضية الإعلامية وبعناوين مختلفة منها "ممنوع النشر" تم التأكيد خلالها على أن "الارتقاء بالإعلام ورفع سويته لا يتأتيان من خلال قرارات حظر النشر، بل عبر معالجة التشوهات التي تخلق القصور الإعلامي، إضافة إلى تطبيق القانون على المخالفين، في حال مارست أي مؤسسة تجاوزات لا يمكن السكوت عنها".
وفي مقال مقابل بعنوان "دفاعـا عـن حظر النشــر، أشار الى "أن حظر النشر ليس ارهابا فكريا او تعسفا في استخدام السلطة طالما بقي في حدود القانون الذي اوجب الحظر والحظر , بل ان التعديلات الدستورية الاخيرة اجازت مراقبة الاعلام في مرحلة الاحكام العرفية حال اعلانها, وهناك اجتهادات فقهية وسياسية كثيرة حيال هذا الامر الذي يخضع لسلطة التقدير وهي سلطة خاضعة لرأي فردي او بشري قابلة للخطأ والصواب ولكنها ليست فرادة اردنية كما حاول ان يشير بعض نشطاء حقوق النشر وبعض الاعلاميين".
تعاميم حظر النشر لا تكون هيئة الإعلام منشأها، بل جهات قضائية مثل النيابة العامة أو المحاكم المختصة، وما الهيئة إلا جهة تنفيذية لتلك الجهات القضائية التي تطلب عدم النشر تنفيذا لأحكام القانون، وخاصة قانون المطبوعات والنشر، ولكن لا بد من الإشارة الى أن حظر النشر عرف إعلامي متبع في الكثير من دول العالم.
وتنص القوانين الأردنية عند منح رخص البث والنشر على "التزام المرخص له باحترام الشخصية الإنسانية وحرية الغير وحقوقهم والطابع التعددي للتعبير عن الأفكار والآراء وموضوعية بث الأخبار والأحداث والمحافظة على النظام العام وحاجات الأمن الوطني ومقتضيات المصلحة العامة".
كما تنص على "التزام المرخص له بعدم بث أو إعادة بث كل ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية والعرقية أو ما من شأنه الإخلال بالوحدة الوطنية أو الحض على الإرهاب والتفرقة العنصرية أو الدينية أو الإساءة إلى علاقات المملكة بالدول الأخرى".
وتنص المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 وتعديلاته: "على المطبوعة تحري الحقيقة والالتزام بالدقة والحيدة والموضوعية في عرض المادة الصحافية والامتناع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الانسان وقيم الامة العربية والاسلامية".
كما يحظر القانون "نشر الاخبار أو المقالات أو التحليلات أو المعلومات أو التقارير أو الرسوم أو الصور أو أي شكل من اشكال النشر الاخرى اذا كانت: تمس بالملك أو الأسرة المالكة وكل ما تتعلق بالقوات المسلحة الاردنية أو الأجهزة الأمنية، الا اذا أجيز نشرها من المرجع المختص فيها أو الناطق الرسمي باسم الحكومة".
ويحظر القانون ايضا نشر "ما يسيء إلى الوحدة الوطنية، والتحريض على ارتكاب الجرائم أو زرع الاحقاد وبذر الكراهية والشقاق والتنافر بين افراد المجتمع".
كما ينص قانون انتهاك حرمة المحاكم رقم (9) لسنة 1959 المادة 11، "كل من نشر باحدى الطرق المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة( 68 )من قانون العقوبات امورا من شأنها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوى مطروحة امام اية جهة من جهات القضاء في الاردن او في رجال القضاء او النيابة او غيرهم من الموظفين المكلفين بتحقيق وفق احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية او التأثير في الشهود الذين قد يطلبون لاداء الشهادة في تلك الدعوى او في ذلك التحقيق او امورا من شأنها منع شخص من الافضاء بمعلومات لاولي الشأن او التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى او التحقيق او ضده يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً او باحدى هاتين العقوبتين".
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الالكتروني لتصلك اخبارنا اولا باول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع اكيد الالكتروني