أكيد- أنور زيادات ولانا كزكز
غاب الإعلام الرسمي عن تغطية الاحتجاجات التي تشهدها البلاد في ظل الظروف والتطورات المتلاحقة التي بدأت بالإضراب النقابي في مواجهة مشروع قانون ضريبة الدخل والاحتجاجات التي ارتفعت وتيرتها مع رفع أسعار المحروقات يوم الخميس الماضي وما رافقها من أحداث ، ولم يستفد الإعلام الرسمي من دروس الأزمات السابقة .
غياب الإعلام الرسمي بمؤسساته وشخوصه ترك الجمهور والمواطنين عرضة للشائعات وللأخبار غير الصحيحة وسيطرة كبيرة للإعلام الاجتماعي ووسائل الإعلام الخارجية ، ويعد هذا الغياب تجاوزا على حق المواطنين بمعرفة ما يحدث، من تطورات تمسهم بشكل مباشر، في الوقت الذي اتسعت فيها مساحة الإعلام البديل وتسابقت مواقع إخبارية على تداول أخبار غير دقيقة أحيانا.
الفيسبوك يقود المشهد الإعلامي
شكلت وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا شبكة الفيسبوك وتطبيق الواتساب مصدرا هاما للمواطنين في متابعة الأحداث، وخاصة باستخدام تقنية التصوير المباشر التي يوفرها "فيسبوك"، إضافة الى حرص رواد المنصات على مشاركة أغلب الأخبار من خلال تواجدهم في الميدان ومواقع الاحتجاجات في مختلف المناطق وشكلت الأردن نقطة ساخنة ومزدحمة بالبث المباشر على خارطة التفاعل المباشر للفيسبوك . حيث يوجد نحو 5 ملايين حساب لأردنيين على شبكة الفيسبوك وتجاوزت نسبة الوصول الى الإنترنت في الأردن 85 % بينما تجاوزت نسبة الهواتف المحمولة 135 % .
وانتشرت وسوم على شبكات التواصل الاجتماعي بقوة أهمها (# الدوار_ الرابع) و(# معناش) وتقدمت مساءً لتسيطر على الفضاء الافتراضي. وفي ضوء الفراغ الإخباري باتت هذه الشبكات تقود الأحداث من خلال قدرتها على صياغة مجال عام جديد يوصل بين المحتجين في الشوارع والساحات والمواطنين في المنازل.
ونشرت مواقع إخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي شائعات على شكل أخبار حول إقالة حكومة هاني الملقي، ومن الواضح أن هذه الشائعات لم تنسب الى مصادر معرفة، وقد تكون اجتهادات وتنبؤات مستقبلية في ظل الظروف التي تشهدها المملكة ومن تلك الأخبار، استقالة حكومة الملقي خلال ساعات ، ومرت الساعات ولم يحدث أي جديد، ومن العناوين الأخرى ، عاجل : أنباء غير مؤكدة عن استقالة هاني الملقي، وتوقعات بأستقالة حكومة الملقي واسم الباشا حسين المجالي يتردد بقوة، خلافة الملقي بين الخصاونة والمجالي، في ذات الوقت نشرت مواقع إخبارية عناوين صحيحة أشارت الى أنه لا يوجد أي قرار بإقالة أو استقالة حكومة الملقي ومن تلك العناوين التي تناولت الموضوع: الملقي : من يملك استقالتي هو من كلفني فقط وشائعات : المجالي ينفي تكليفه بتشكيل حكومة خلفا للملقي وحقيقة استقالة الملقي ومصادر رفيعة : الملقي لم يقدم استقالته حتى الآن.
ودفع هذا الاعتماد على شبكات التواصل الى محاولات لتوظيف هذه الشبكات من خلال التهويل والاختلاق أحيانا، وحملت بعض العناوين عبارات تضم بين طياتها التهويل، وكان لا بد من اصدار بيانات رسمية لتضع المواطنين في حقيقة الأحداث وهو ما لم يحدث ، لإضفاء التوازن على الخبر مثل مسيرات وأعمال شغب وإغلاق طرق بالإطارات المشتعلة في معظم مناطق اربد .. فيديو وصور،ليلة ساخنة في الأردن ..احتجاجات و اغلاق طرق - تفاصيل كاملة بالصور،احداث الأردن هذه اليوم اغلاق طرق و تكسير و تخريب و اضرار في الممتلكات الزرقاء،الآن الاعتداء على نقطة شرطة الساحة الهاشمية في وسط البلد ؟!؟!،عجلون : أعمال شغب واحتجاجات على رفع الأسعار بعرجان .. فيديو
غياب البيانات والمعلومات الرسمية
غابت الجهات الرسمية عن اصدار بيانات توضح الوضع الأمني وحالة الطرق في مختلف أنحاء المملكة، ولجأت الجهات الرسمية الى الصمت ما أوقع المواطنين في إشكالات خاصة خلال السير على الطرقات ليلا ، فمثل هذه البيانات تشكل حاجة ملحة للمواطنين لتجنب السير في الشوارع المغلقة بسبب الاحتجاجات، وتحديدا في الطرق الخارجية بين المواطنين حيث تعد الإحاطة الجارية بحالة الطرق في هذه الظروف ضرورة ملحة وخدمة اتصالية لم يقم بتوفيرها الإعلام الرسمي .
كما غاب الناطق الرسمي باسم الحكومة والوزراء المعنيون عن وسائل الإعلام خلال فترة الاحتجاجات ، وكان أخر ظهور في الدفاع عن مشروع قانون الضريبة هو المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الإعلام ووزير المالية ومدير ضريبة الدخل في 21/5 /2018 ، فيما توقفت الحملة الحكومية في الترويج لمشروع القانون التي ازدادت بشكل قوي في أخر اربعة اسابيع بمعدل ثلاث مواد إعلامية يوميا تصب في الدفاع عن مشروع القانون .
وفي هذا الصدد قال مدير مركز التدريب في نقابة الصحفيين الأردنيين الصحفي زياد الرباعي لمرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) ان "الأزمات تبين مدى مهنية الإعلام وقدرته على مسايرة الأحداث، وهذه الأزمة كشفت الهيمنة الحكومية على الإعلام الرسمي"، مشيرا الى أنه "في أول يومين لم تنشر الصحف والتلفزيون الأردني والإذاعة أية معلومات عن الأحداث، ويتضح من خلال متابعة الأحداث في الأيام الماضية أن نفي الحكومة عدم هيمنتها على الإعلام غير صحيح".
اما رئيس تحرير موقع الأول الإخباري أسامة الرنتيسي قال "الحكومة ليست فقط غائبة بل حتى عند حضورها المتأخر تغيب عنها وعن شخوصها الشجاعة وناطقيها الرسميين، بالحديث عبر مصادر غير معرفة، منها مصدر مطلع مصدر رسمي...الخ".
الإعلام البديل
في أوقات الأزمات التي يصاحبها ضفف في مهنية وسائل الإعلام وغياب المعلومات الرسمية تزداد مساحة الإعلام البديل الذي يفتقد أحيانا للدقة وأحيان أخرى يتغذى على الشائعات وأنصاف الحقائق .
وجاء انتشار بعض الشائعات نتيجة لغياب التصريحات الرسمية حول تطور الأحداث، وفي بعض الأحيان بسبب غياب التنسيق بين بعض الجهات كالتصريحات الصادرة عن النقابات، ففي الوقت الذي نشرت فيه مواقع خبرا بعنوان "النقباء يعلق إضراب الأربعاء القادم وكافة الأنشطة الإحتجاجية، نشر موقع أخر خبرا بعنوان " النقباء الاضراب مرتبط باجتماع النواب" ثم عاد وقام بحذفه، فيما قال نقیب المحامين مازن ارشيدات أن مجلس النقباء "مستمر في إجراءاته ومطالباته بالأضراب العام یوم الأربعاء لإسقاط حكومة هاني الملقي" بعنوان "ارشيدات: مستمرون بالاضراب لاسقاط الحكومة".
كما تناولت المواقع عددا من الأخبار الأخرى التي تكشف عن تباين وتضارب في المعلومات الصادرة عن النقابات وبعناوين مختلفة منها "توافق حكومي نيابي على سحب "الضريبة" من "النواب".. و"النقباء" يعلق وقفته الاحتجاجية ،مجلس النقباء يعلق إضراب الأربعاء وكافة الأنشطة الإحتجاجية،النقابات تعلن ايقاف الاحتجاجات بعد سحب قانون ضريبة الدخل ونظام الخدمة المدنية. النقباء: اعتصام لا اضراب الاربعاء، الابقاء على اضراب الاربعاء .
الحكومة توافق على سحب مشروع ضريبة الدخل ‘ هذا الخبر انتشر بشكل واسع على صفحات المواقع الإخبارية الإلكترونية لكنه خبر يعتمد على مصادر مجهولة، ولم يصدر عن الحكومة أي تصريح في هذا الإطار، الأمر الذي يكشف أيضا عن قيام العديد من المواقع بنسخ ولصق الأخبار من المواقع الأخرى في ظل النسق السريع لتتبع الأخبار دون التأكد من مصداقيتها.
غياب الإعلام الرسمي
غاب الإعلام الرسمي عن الاحتجاجات بشكل شبة كامل؛ حيث غابت التغطية الإخبارية عن التلفزيون الأردني الرسمي بكافة نشراته كما هو الحال في غياب أخبار الاحتجاجات عن وكالة الأنباء الأردنية وكأن ما يحدث قد حدث في بلد بعيد . كما غابت التغطية الإخبارية الموازية للأحداث عن الكثير من وسائل إعلام القطاع الخاص وتحديدا محطات التلفزيون والإذاعة التي اكتفت بتقارير إخبارية مقتضبة.
وغابت بعض الصحف اليومية الرئيسية ( الرأي والدستور ) عن تغطية الأحداث منذ إضراب الأربعاء الى الاحتجاجات اللاحقة ، فيما تفاوتت تغطية وسائل الإعلام الخاصة الأخرى، وناقش "أكيد" هذ الجانب من تغطية الأحداث في تقرير منفصل.
وفي الوقت الذي وفرت المحطات الإخبارية الخارجية قنوات لتدفق الأخبار وبرامج حوارية مكثفة استضافت في الأغلب محللين أردنيين غابت النقاشات المعمقة عن وسائل الإعلام الأردنية وتراجعت سقوف الصحافة التحليلية والتفسيرية .
ويقول الصحفي زياد الرباعي ل"أكيد"، "على مدراء الإعلام والناطقين الرسميين عدم الغياب عن مثل هذه الأحداث وأن يقوموا بوضع المواطنين والجمهور بتطور الأحداث أولاً بأول، فالغياب يعني أن هناك من سيملأ الفراغ".
وأشار الى أن "التصريحات التي صدرت عن مسؤولين ومنها تصريحات وزير الدولة للإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني على أن 49% من التعليقات السلبية من سورية، وتصريحات وزير المالية عمر ملحس حول الرواتب لم تساهم في طمأنة الجمهور بل كانت هذه التصريحات كفيلة بإشعال الحراك من جديد".
وقال الرباعي ان "مصداقية الإعلام الرسمي لدى الجمهور في حدها الأدنى، فلا يوجد ثقة بالحكومة، ونتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية الأخير يوضح ذلك، وما ينطبق على الحكومة ينطبق على الإعلام الرسمي".
ويوضح الصحفي أسامة الرنتيسي أن "الناس أصبحوا أسرى لوسائل التواصل الاجتماعي، والذي تغيب الدقة عن كثير من أخباره، في حين يغيب الناطقين باسم الأجهزة الرسمية، والذين هم وظيفتهم وواجبهم تقديم المعلومات للمواطنين، فالناس بحاجة لمعرفة ما يحدث، كحال الطرق والأوضاع الأمنية، كما هم بحاجة لمعرفة التوجهات الحكومية، لكن هذا الغياب يكشف مدى الإرباك الحكومي في التعامل مع الأحداث وليس فقط الإرباك في التعامل مع الإعلام".
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الالكتروني لتصلك اخبارنا اولا باول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع اكيد الالكتروني