عمّان 24 كانون الأو~ل (أكيد)- سوسن أبو السُّندس- لا تُقاس فاعلية الحياة السياسية بعدد الأحزاب، بل بقدرتها على إنتاج تمثيل حقيقي للشعب وتداول منظّم للسلطة. ففي أنظمة ديمقراطية كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تميل الحياة الحزبية إلى الاستقرار حول حزبين رئيسين يتنافسان ببرامج واضحة وقواعد سياسية واجتماعية ضمن أطر مؤسسية متراكمة.
في المقابل، جاءت التجربة الحزبية المحليّة في سياق مختلف، إذ شهدت في بدايات مسار التحديث السياسي توسعًا عدديًا ملحوظًا في أعداد الأحزاب، قبل أن تتجه لاحقًا إلى مرحلة إعادة التنظيم من خلال عمليات الاندماج والحلّ القانوني عبر شروط قانون الأحزاب، حيث بلغ عدد الأحزاب السياسية القائمة حتى شهر تشرين الأول نحو 35 حزبًا سياسيًا.[1]
في هذا الإطار، تتبّع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) تغطية وسائل الإعلام لموضوع اندماجات الأحزاب السياسية من خلال تحليل عيّنة قصدية خلال الفترة الممتدة من مطلع عام 2025 وحتى كانون الأول الجاري منه. وشملت العيّنةعلى تحليل 35 مادة إخبارية بهدف تقييم طبيعة المعالجة الإعلامية وقياس مدى انتقال التغطية من النقل الخبري إلى القراءة التفسيرية للاندماجات في سياق إعادة تنظيم المشهد الحزبي.
وأظهرت نتائج الرصد أن التغطية الإعلامية اتّسمت بغلبة الطابع الإخباري، إذ شكّلت المواد الإخبارية ما يقارب 68 بالمئة من إجمالي المواد المرصودة مقابل 24 بالمئة لمواد تحليلية ومقالات رأي، فيما لم تتجاوز التقارير المعمّقة 5 بالمئة من عينة الرصد، ولوحظ حضور محدود للبرامج الحوارية بنسبة 3 بالمئة فقط.
بدأت التغطية منذ الربع الأول من هذا العام، لكنها بلغت ذروتها خلال شهري أيلول وتشرين الأول حيث نُشر أكثر من 50 بالمئة من المواد بالتزامن مع الإعلان عن اندماجات كبرى وتنفيذها قانونيًا، واستحوذ اندماج حزبي إرادة وتقدّم، وتشكيل حزب مبادرة على النسبة الأكبر من التغطية بما يقارب 34بالمئة من إجمالي المواد، تلاه الحديث عن موجة اندماج 5 أحزاب أبرزها اندماج حزبي الأنصار الأردني ونماء، إضافة إلى اندماج حزبي الأرض المباركة والشباب الأردني ضمن حزب الاتحاد الوطني الأردني بنسبة بلغت 11 بالمئة، فيما توزعت النسبة المتبقية على اندماجات أخرى حظيت بحضور إعلامي أقل.[2] [3]
تبيّن من خلال عملية الرصد أن التغطية الإعلامية غلب عليها طابع الأخبار الرسمية، حيث تم التركيز على نقل التصريحات الحكومية والحزبية المرافقة لإعلان قرارات الاندماج، إضافة إلى متابعة الإجراءات القانونية والتنظيمية، وقد وُصفت الاندماجات بأنها "ظاهرة صحية" و"خطوة إيجابية" في مسار التحديث السياسي.[4]
في المقابل، رُصدت مواد ذات طابع نقدي انصبّ معظمها على التحديات التنظيمية الداخلية للأحزاب وفي مقدّمة ذلك الانقسامات، وضعف الثقافة الحزبية، والجدل حول المناصب القيادية بعد الدمج، لا سيما منصب الأمين العام. [5] [6]
أظهر الرصد قصورًا في تناول الأبعاد السياسية، مثل دوافع الاندماجات، وما إذا كانت تستند إلى رؤية استراتيجية طويلة المدى لبناء أحزاب برامجية، أم أنها خطوات تكتيكية مرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية ومتطلبات التمويل والاستمرار التنظيمي.[7]
كذلك لم تربط غالبية المواد بين موجة الاندماجات وأداء الأحزاب داخل مجلس النواب بعد مرور نحو عام على بدء أعماله، ولم تُقارن البرامج والوعود الانتخابية المعلنة بما تحقق فعليًا على صعيد العمل التشريعي والرقابي.[8]
يشير (أكيد) إلى أن الأحزاب السياسية بوصفها الأداة الرئيسة للتمثيل والمشاركة، يُفترض أن ينعكس دورها بشكل مباشر على حياة المواطنين، وهو ما كان يتطلب تغطية إعلامية أعمق تربط اندماج الأحزاب بآثاره الفعلية على الواقع السياسي، إلا أن هذا البعد غاب في معظم التغطيات التي تناولت الاندماجات دون ربطها بتحسين التمثيل أو تعزيز الثقة بالحياة الحزبية، وبقيت المصلحة العامة مطروحة كشعار عام أكثر منها معيارًا للتقييم، الأمر الذي يعكس فجوة بين نقل الحدث والقيام بدور تفسيري ورقابي يخدم حق الجمهور في الفهم والمساءلة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني