عمّان 15 تشرين الأول (أكيد)- عُلا القارصلي- تتكرّر في الإعلام الأردني بين عام وآخر ظاهرة تناول فوضى حفلات التّخرج الجامعية، إذ تتحوّل مشاهد الازدحام وسوء التّنظيم إلى مادّة متداولة على وسائل الإعلام، دون أن تُناقَش الجذور الحقيقية للمشكلة أو تقدَّم طرحًا مهنيًّا يربط بين هذه الأحداث المتكرّرة وظروف الجامعات التنظيمية والإدارية. وغالبًا ما تركّز التّغطية على الجانب المثير من المشهد، لا على تحليل الظاهرة أو اقتراح الحلول.[1] [2] [3]
عاد هذا النوع من التّغطية مؤخّرًا للواجهة بعد انتشار مقطع فيديو يُظهر عددًا من الطّلبة في إحدى الجامعات الأردنية، وهم يرمون شهاداتهم على الأرض، اعتراضًا على سوء التنظيم في حفل التّخرّج. ورغم الانتشار الواسع للمقطع عبر مواقع التّواصل، فإن وسيلة إعلامية واحدة قامت بنشره رسميًا، وقامت بتعميمه على جميع صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، مكتفية بعرض الفيديو دون أي توضيح أو رد من إدارة الجامعة، وهو ما يُعد إخلالًا واضحًا بمبدأ التوازن الذي يُعدّ من أهم أسس الممارسة الصّحفية.[4] [5]
هذا النّوع من التّغطية الإعلامية يتضمن عدة مخالفات مهنيّة تتلخص بما يلي:
أولًا: العنوان الانفعالي، حيث استخدمت الوسيلة صيغة تصدر حكمًا نهائيًا بصيغة: "طلاب جامعة خاصّة يلقون شهاداتهم بسبب سوء تنظيم حفل التّخريج”، دون الإشارة إلى أنّ المشاهد “وفق مقاطع متداولة"، أو "بحسب رواية شهود"، وهذه الصياغة تُقدِّم الحدث كحقيقة قاطعة، لا كرواية تحتاج للتّدقيق.
ثانيًا: غياب صوت الطرف الآخر، إذ لم تبذل الوسيلة أي محاولة للتواصل مع الجامعة أو المتحدث الرسمي فيها، ولم يُذكر في النّصّ أن الجهة المعنية امتنعت عن الرد، ما يجعل الجمهور يتعامل مع الخبر كحكم بالإدانة.
ثالثًا: التشهير الجماعي، حيث تحوّلت التعليقات على وسائل التّواصل من نقد مشروع إلى تنمّر مؤسّسي طال الجامعة وطلبتها، نتيجة نشر الفيديو دون سياق يشرح الملابسات أو يحدّد المسؤولية.
رابعًا: غياب المسؤولية الأخلاقية، فالصحافة مسؤولة عن الأثر الاجتماعي لمحتواها، وعندما يتحوّل فيديو إلى هجوم جماعي على مؤسّسة تعليمية، يُفترض بالوسيلة أن تسأل نفسها إن كانت تقدّم معلومة موثوقة أم تشارك في موجة غضب جماعي غير منضبطة.
ويشير (أكيد) إلى أن التّعامل المهني مع حدث كهذا لا يكون بنشر المقاطع المثيرة، بل بطرح الأسئلة الجوهرية: ما أسباب تكرار الفوضى؟ وما الإجراءات التي اتُّخذت لتفاديها؟ فالإعلام الجاد يوازن بين حق الجمهور في المعرفة وحق المؤسسات في الدّفاع عن نفسها، ليبقى أداة مساءلة حقيقية لا محركًا للعواصف الرقمية.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني